دروس في الحياة من قصة نجاح دونالد ترامب في التجارة

مفهوم – بالتأكيد في كل قصة نجاح هناك دروس يمكن للجميع الإستفادة منها في رحلة حياته، لذا قررنا خلال هذه المقالة طرح قصة نجاح دونالد ترامب في مجال التجارة لنلقي الضوء على الدروس المستفادة منها، وخاصة أن دونالد ترامب هو رجل الساعة بلا جدال أو نزاع، هذا الأمريكي الذي يتوقع له الكثيرون أن تتسبب سياساته الاقتصادية الحمائية في مشاكل جمة للعديد من دول العالم، رجل أثار ويثير الكثير من النقاشات الحامية.

لذا ندعوكم لقراءة قصة نجاح دونالد ترامب في مجال التجارة، فسواء مدحناه أو ذممناه، فالرجل عصامي بنى نفسه وصنع لنفسه امبراطورية عقارية وثراء لا أول له ولا آخر، وحتما سنجد في ثنايا قصته ما نتعلمه ويساعدنا للحكم عليه بشكل دقيق معتمد على حقائق، لكن قبلها، للنجاح تعريفات كثيرة، في مقالتنا هذه سنأخذ الجانب التجاري منها – مع تحفظات.

جاء ميلاد دونالد جون ترامب Donald John Trump في 14 يونيو من العام 1946، في حي كوينز في مدينة نيويورك الأمريكية، وكان لديه أربعة من الإخوة والأخوات، لأسرة أمريكية تقليدية. الأب كان يعمل في مجال العقارات، يبني مباني من أجل الإيجار في ضواحي نيويورك، والذي كان له أكبر الأثر على مستقبل دونالد.

وهو تلميذ صغير، ظهر واضحا على دونالد ترامب حبه للزعامة والقيادة، لكن في الاتجاه الخطأ، إذ تسبب في العديد من المشاكل في مدرسته، الأمر الذي دفع والده لكي يرسله إلى الأكاديمية العسكرية على أمل أن تحسن من أخلاقه وتضبط انفعالاته.

رغم تردده في البداية، إلا أن دونالد ترامب أحب الحياة العسكرية واستمر في الأكاديمية حتى حان وقت دخوله الجامعة، وهو يقول عن هذه الفترة أنها علمته الكثير عن الانضباط وعن تحويل غضبه الداخلي إلى قوة تدفعه للنجاح والانجازات.

رغم ذلك، لم يهتم دونالد بواجباته المدرسية وحقق أدنى الدرجات العلمية التي كفلت له النجاح والانتقال من صف للتالي. ذلك سببه أن ما كان يشغل باله ويجذب كل اهتمامه هو زياراته إلى مواقع البناء حيث يعمل والده.

التحق دونالد بجامعة فوردهام Fordham University لكنه قرر بعد مرور عامين عليه هناك أن يختبر نفسه أمام الأفضل، ولذا قرر أن يلتحق بجامعة بنسلفانيا ليحصل بعدها على شهادته في الاقتصاد عام 1968.

الوظيفة الأولى لدونالد ترامب

بعد التخرج، عاد دونالد ترامب ليعمل مع والده بدوام كامل، لكنه سرعان ما بدأ يتذمر من الظروف القاسية والكئيبة التي يعمل فيها والده، خاصة وأن هامش الربح من هذا العمل كان صغيرا، وبدأ يفكر فيما هو أفضل وأكثر.

عن هذه الفترة يقول دونالد ترامب أنه كان لديه أحلام ورؤى أفضل وأبعد من الاستثمار في بناء بيوت في أحياء نيويورك.

في عام 1971، قرر ترامب أن ينتقل إلى ’حي‘ مانهاتن في نيويورك، وبدأ ينقب عن الفرص العقارية بها، والتحق بنادي راقي لكي يتعرف إلى علية القوم والمؤثرين في المدينة والأغنياء والأثرياء، واستمر كذلك حتى حانت له الفرصة السانحة.

الطريف أن ترامب كان زير نساء من صغره، إذ كان شرط التحاقه بهذا النادي أن يبتعد عن زوجات الأعضاء الأثرياء!

وأما الجدير بالذكر فهو أن عضوية هذا النادي جعلته يتعرف على حاجات الأثرياء في مجالات عديدة، خاصة العقارات.

الصفقة الأولى لترامب

بعدها بعامين، ونتيجة لظروف اقتصادية غير مواتية بدأ سوق العقارات في المدينة يعاني ويتراجع، وهنا أدرك ترامب أن هذه هي فرصته، وبدأ يتفاوض ويفاوض من أجل عقد صفقته الكبيرة الأولى في حياته، وهو لا يزال ابن السابعة والعشرين، ولم يسبق له أن بنى أي شيء في حي مانهاتن، لكن لم يكن كل هذا ليوقفه أو يحد من طموحاته.

اشتهر دونالد ترامب بمقولته الصحيحة: “لن يضرك أبدا شراء قطعة أرض جيدة بسعر متدني.” هذه المقولة كانت شعار حياته وتجارته، وهي كانت ترجمة صحيحة لقراره شراء قطعة أرض في مانهاتن رغم تراجع السوق العقارية في نيويورك كلها في هذه الفترة.

بجانب نهر هدسون، كانت هناك قطعة أرض مهجورة بجانب السكة الحديد، أراد ترامب شراءها. قبل أن يتفاوض مع المالك، قرر ترامب تأسيس شركته مؤسسة ترامب أو Trump Organization في عام 1973.

أراد ترامب أن يترك أثرا كبيرا في ذهن المالك، ولذا استخدم كلمة مؤسسة في الاسم ليوحي بأنها شركة كبيرة راسخة. بالفعل، نجح الأمر وحصل على صفقته الأولى واشترى قطعة الأرض هذه. (لم أجد في بحثي تفاصيل توضح من أين جاء بالمال لشراء هذه الأرض)

بعد صفقته الأولى الناجحة، اتبعها بصفقة شراء قطعة أرض في شارع ويست 34 رغم معارضة البلدية والكثير من المنافسين، لكن ترامب وعد الجمهور بأن يبني مركزا تجاريا بسعر أقل مما قدرت له البلدية، وهو ما فعله بنجاح.

بعدها سلط ترامب نظره على فندق الكومودور في وسط المدينة والذي كان يعاني وقتها من مشاكل مالية.

بمساعدة مهندس معماري شاب، أعاد ترامب تصميم الفندق الشهير وأعطاه هيئة جديدة، وتعاون مع إدارة فنادق حياة وتعاقد مع عدة بنوك أقرضوه المال اللازم لتحقيق كل ذلك. في عام 1980 جاءت إعادة افتتاح الفندق بنجاح بارز، كما العهد مع مشاريع ترامب.

ميلاد برج ترامب

منذ انتقاله إلى مانهاتن وعينه مستقرة على قطعة أرض عند تقاطع شارع 57 وشارع فيفث افنيو الشهير جدا. كان حلمه أن يبني برجا من 68 طابقا، مخصصا للأثرياء وعلية القوم، للسكن وللعمل واللهو. هذه القطعة أصبحت اليوم برج ترامب Trump Tower واستغرق بناؤه أربعا من السنوات، تشهد على ذكاء وبعد نظر هذا الحوت العقاري الناجح.

هذا البرج يحوي شلال ماء يمتد على طول 7 طوابق! هذا الشلال واجه في بدايته معارضة وانتقادات كثيرة، لكنه بعدها أصبح مزارا سياحيا يقصده الكثيرون من السياح القادمين من مختلف دول العالم لرؤيته.

بعدها استمرت صفقات ترامب الناجحة، وبدأ يتوسع خارج أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ يخرج عن الاستثمار في العقارات إلى ملاعب الجولف ونوادي القمار وغيرها…

ثم حقوق استغلال العروض التليفزيونية (خاصة برنامج ملكة جمال أمريكا وهناك حيث قال كلامه البذيء الذي تم تسريبه وكان المفترض به أن ينهي أحلامه في الوصول لمنصب الرئيس الأمريكي، لكنه عوضا عن ذلك ساعده على بلوغ حلمه حيث لم يجد الناخب الأمريكي غضاضة كبيرة فيما قاله!)

بعدها بدأ تصوير البرنامج التليفزيوني: المتدرب / The Apprentice والذي جلب لاسمه الشهرة والانتشار، بجانب أبراجه ذات الرخام والمرمر والتي تضارع ما تحكيه القصص عن ثراء وترف وفخامة قصور الخلفاء العباسيين والأمويين (سواء كانت هذه القصص صحيحة أم لا).

الطريف أنه في البداية وقبل بثه، كان دونالد ترامب يدفع 50 ألف دولار لتصوير وبث كل حلقة من حلقات برنامجه.

بعد الشهرة الطاغية لهذا البرنامج، أصبح يحصل على أجر 3 مليون دولار في الحلقة الواحدة!

إلا أن كل هذا النجاح لم يكن بلا عقبات أو نكبات أو كبوات أو… إفلاس.

إفلاس دونالد ترامب

في مطلع التسعينيات، هجم كساد عقاري على المدينة، كساد لم يكن ترامب مستعدا له. كساد أجبره على التوقف عن سداد أقساط قروضه من البنوك التي بلغت في مجملها 3.5 مليار دولار (هذا الرقم يزيد ويقل في العديد من الروايات). ما زاد الطين بلة هو اقتراضه بفوائد ربوية أكبر من السعر السائد في السوق، ثقة منه في قدرته على دفع هذه الأقساط والديون.

في عام 1991 اضطر دونالد ترامب لإعلان إفلاسه لأول مرة، إذ فوق ديون شركاته، كان لديه ديون شخصية بلغت 900 مليون دولار تراكمت بسبب نمط حياته المعتمد على البذخ الشديد.

عودة ترامب

على أن دونالد ترامب لم يكن من الذين يستسلمون بسرعة، وهو اعتمد على قدرته الفذة في عقد صفقات ناجحة للخروج من هذه الأزمة الشديدة.

واجهت البنوك والدائنون مشكلة، لقد خسروا ملايين أثناء تسييل وتحويل أصول وممتلكات ترامب إلى أموال، مشكلة أجبرتهم على إعادة جدولة ديون ترامب المتبقية، وخفضوا الفائدة على الدين، وأعطوه فترة سماح أطول ليرد لهم قروضهم. في المقابل، تملك المقرضون نصف كازينو القمار الخاص به والذي حمل اسم تاج محل.

بعدها بعام، تحديدا في نوفمبر 1992 تم إعلان إفلاس فندق ترامب بلازا. هذه المرة، تنازل ترامب عن 49% من ملكية الفندق للدائنين، مقابل حصوله على شروط أسهل لسداد الديون المستحقة للدائنين، والتي بلغت قيمتها 550 مليون دولار.

بعدها بعامين، كان قد سدد أغلب المستحقات عليه هو شخصيا وعلى أعماله. الثمن كان مرهقا إذ اضطر للتنازل عن بعض أصوله المقربة إليه.

في عام 1995 واجه مصاعب مالية واقتصادية، إذ توقفت شركاته عن تحقيق الأرباح وزاد الدين المستحق عليه عن 2 مليار دولار، واستمر الوضع صعبا حتى قرر في عام 2004 إعادة جدولة ديونه، بأن باع جزءا من حصته في شركاته للدائنين مقابل التنازل عن ديونهم.

في مايو 2005 خرجت شركاته من بند الحماية ضد الدائنين التي يوفرها قانون الإفلاس التجاري الأمريكي.

لم تتوقف إفلاسات مشاريعه، والتي توالت متتابعة عليه، لكنه كل مرة كان يعرف كيف يخرج منها ويسدد ما عليه.

اشتهر ترامب بأنه أحد أكبر أثرياء أمريكا من العصاميين (ثروة تزيد عن 3.5 مليار دولار في مطلع 2017)، وأنه يملك قرابة 18 مليون قدم مربع من أراضي مانهاتن فقط، وأنه كان سببا في تغيير شكل مدينة نيويورك.

على الجهة الأخرى، كانت له فضائح جنسية كلفته كثيرا على المستوى الشخصي.

في خضم سعيه للحصول على منصب رئيس أمريكا، قال دونالد ترامب كلاما كثيرا يسبب الإزعاج والخوف والقلق، لكن هذه المدونة لا تناقش السياسة ولا تقترب من دروبها.

كتب دونالد ترامب

سواء كتبها بنفسه أم حصل على مساعدة كبيرة، جاء أول كتاب من كتب ترامب ليحمل اسم فن الصفقة أو The Art of the Deal. فيه شرح ترامب للعالم كيف نجح في حياته وأجاب على أسئلة كثيرة عن حياة هذا الرجل الغامض. في زمن وجيز، باع الكتاب أكثر من 3 مليون نسخة وحصل على لقب الكتاب الأكثر مبيعا وقتها ثم في كل الأوقات.

الكتاب الثاني حمل اسم البقاء حيا في القمة أو Surviving at the Top وفيه شرح ما الذي فعله دونالد ترامب ليبقى في قمة المجد والنجاح التجاري، ورحلته من شفير الإفلاس إلى الطلاق وكيف تعامل مع الرأي العام والجماهير.

الكتاب الثالث حمل اسم فن العودة أو The Art of the Comeback وفيه شرح بتفصيل أكبر خطواته للخروج من الديون الكثيرة التي كادت تقضي عليه.

الكتاب الرابع جاء في عام 2000 وحمل اسم أمريكا التي نستحقها أو The America we Deserve حيث ترك التجارة وتحدث عن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها، وتحدث عن رؤيته لمستقبل بلاده، حيث اشتهر عنه أنه يضع اللوم على صاحبه دون خجل أو مواراة أو محاباة.

في كتابه الخامس كيف تصبح ثريا: صفقات كبيرة من نجم برنامج ذا ابرنتس – How To Get Rich: Big Deals from the Star of The Apprentice عاد مرة أخرى لمجاله، التجارة والصفقات الناجحة، وبدأ ينصح القراء كيف يعقدون الصفقات الناجحة، كما اشتهر عنه هزله بشأن شعره حيث أكد على أن أناقة شعره لم تأت على حساب أي حيوانات. مرة أخرى حصل الكتاب على لقب الأكثر مبيعا، هناك كتب أخرى له لا يسع المجال لذكرها.

أشهر أقوال دونالد ترامب في التجارة

أهم شيء في الحياة هو أن تحب عملك، فهذه هي السبيل الوحيدة لأن تكون بارعا فيه.

في حين يحب الآخرون رسم لوحات فنية أو كتابة شعر بديع، أحب أنا عقد الصفقات، وبالأخص الصفقات الكبيـــــرة.

إذا كنت ستفكر على أي حال، عليك بالتفكير على نطاق كبيـــر – Think BIG.

أغلب الناس يفكر على نطاق صغير لأنهم يخشون النجاح، يخافون اتخاذ القرارات، يخشون الفوز، وهذا يعطي أناس مثلي ميزة كبيرة.

في 20 يناير 2017 استلم دونالد ترامب مهام عمله كرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، الرئيس الخامس والأربعين، وهو الأكبر سنا والأكثر ثراء في رؤساء أمريكا كلهم.

هذه هي قصة نجاح دونالد ترامب في عالم العقارات والتجارة، وهي لا تخلو من تحفظات وملاحظات وعيوب، لكن كن أنت الحكم بناء على الحقائق.

هذا التدوينة لم تذكر كل تفاصيل قصة ترامب، بل ذكرت أهم جوانبها من وجهة نظر المدون رؤوف شبايك الشخصية.

شاركها

اترك تعليقاً