مفهوم – لا يعتمد نجاح شخص في إتقان عمل ما على الوقت الذي يستغرقه في عملية التعلم.
فعلى سبيل المثال، لن تجعل ممارسة العدو في نفس الطرق وفي نفس الفترة الزمنية أسبوعيا الشخص المتمرن رياضيا عالميا، مهما كان دأبه على أداء عمله. وبينما يسعى البعض إلى التفوق في العمل، يجد معظمنا صعوبة في التدريب.
ماذا لو لم يحتاج تحسين المهارات الذاتية إلى قضاء وقت كبير لتحقيق الهدف المنشود؟ وهل توجد سمات خاصة ينبغي توافرها في هؤلاء الراغبين في التميز؟
إريكسون مدرب أولمبي حائزا على ميداليات ذهبية، ومدربا لكرة القدم سجل فريقه أهدافا قياسية،
أمضى إريكسون معظم الثلاثين عاما الماضية في دراسة الأسباب التي أدت إلى نجاح نخبة تنوعت بين موسيقيين وجراحين.
ويقول إن طريقة التفكير الصحيحة أهم من التمتع بالإمكانات، مشيرا إلى أنه “طالما قيل إن النجاح يعتمد على توافر سمات معينة لا غنى عنها لدى الشخص تسهم في وصوله إلى أفضل أداء، بيد أن هذه المقولة خطأ”.
أسلوب التدريس
ودأب من يلجأون إلى “التدريب المتعمد” على انتقاد أسلوب التدريس في المدارس، فعلى سبيل المثال يبدأ معلمو الموسيقى تعليم التلاميذ أساسيات قراءة النوتة الموسيقية ودرجات السلم الموسيقي قبل الشروع في العزف على آلات موسيقية، ثم تقييم الطلاب بناء على أدائهم باستخدام معايير موضوعية بسيطة.
ويجعل التدريس بهذه الطريقة معايير التقييم أسهل، وإن كان قد يثني مبتدئين عن مواصلة عملية التعلم، نظرا لعدم تصورهم الهدف النهائي المرجو من عزف الموسيقى التي يحبونها بسبب عدم إداركهم المغزى من أداء مهام معينة.
ويقول ماكس دويتش، 26 عاما، وهو أحد من دأبوا على الاستعانة بأسلوب التعلم السريع : “أعتقد أن الطريقة الصحيحة للتعلم تتسم بنهج عكسي”.
وكان دويتش، الذي يعيش في سان فرانسيسكو، قد حدد لنفسه في عام 2016 هدفا تمثل في تعلم 12 مهارة جديدة واتقان كل مهارة منها في شهر.
إقرأ ايضًا:
حيل وأسرار واتساب ربما لم تستخدمها من قبل
طريقة حماية حساب تويتر من الاختراق
طريقة تغيير باسورد الواي فاي لجميع أنواع الراوتر
وكانت أولى تلك المهارات الطموحة هي تذكر أوراق لعب “الكوتشينة” خلال دقيقتين دون خطأ، ويتطلب ذلك بالطبع التحلي بذاكرة قوية جدا.
وكانت المهارة الأخيرة أن يعلم نفسه لعب الشطرنج من البدايات حتى يصل لمستوى هزيمة بطل العالم ماغنوس كارلسن في مباراة.
هل يكفي شهر لتعلم الشطرنج وهزيمة بطل العالم ماغنوس كارلسن؟ حاول ماكس دويتش الإجابة على هذا السؤال
يقول دويتش: “ابدأ بالهدف، ثم فكر في المطلوب تعلمه للوصول لهذا الهدف.
ثم ضع خطة للوصول لمرادك واحرص على الالتزام بها. يوما ما قلت لنفسي (هذا ما سأفعله كل يوم)، حددت كل مهمة يومية قبل مباشرتها، وبالتالي لم أترك لنفسي مجالا للتفكير فيما إذا كنت قادرا على أداء المهمة أم يتعين عليّ إرجاؤها بعد أن سبق وحددتها وأصبح لا مجال للتراجع”.
ويضيف دويتش أنه استطاع خوض التحدي، على الرغم من مزاولة وظيفته بنظام العمل الكامل، والذهاب للعمل يوميا خلال ساعة والنوم ثماني ساعات. كان يكفيه بين 45 دقيقة وساعة يوميا لمدة 30 يوما لاستكمال كل مهارة.
ويقول إن “التخطيط السليم أنجز 80 بالمئة من العمل الشاق”.
إن كنت تعرف ما هو المقصود بمفهوم “التدريب المتعمد”، فهو يشكل قاعدة وضعها مالكوم غلادويل من “10 آلاف ساعة”.
ورجحت ورقة بحثية أولى لإريكسون بشأن التدريب المتعمد أن المتفوقين يقضون 10 آلاف ساعة أو نحو عشر سنوات في التدريب المركّز قبل بلوغ قمة التفوق في مجالهم.
بيد أنه من الخطأ الاعتقاد بأن قضاء 10 آلاف ساعة في أداء شيء ما يجعل صاحبه متفوقا من الطراز الأول عالميا، إذ تقول إريكسون: “يتعين التدريب بهدف معين مع توافر شخصية وحالة نفسية خاصة لتحقيق ذلك”.
وتضيف : “لا يتوقف الأمر على إجمالي الفترة الزمنية التي يقضيها المرء في التدريب، بل لابد من اقتران ذلك بالتزام شديد للدارس وحرصه المستمر على تصويب أخطائه وتعديل أسلوب تعلمه. ولا أعرف لماذا يعتقد البعض أن تكرار نفس الأخطاء لأمد طويل سيدفع بهم إلى التقدم”.
استفاد كثيرون بالمجال الرياضي بخلاصة أبحاث إريكسون، ويقول روجر غوستافسون، لاعب الكرة السابق الذي أصبح مدربا، إن الأمر “منوط بجهد اللاعب ومدى حرصه على بلوغ أعلى مستوى”.
خمس نصائح للتمرين المستمر
ابدأ بالهدف المراد تحقيقه، هل هو الوصول لأعلى مستوى في العالم أم دون ذلك؟ لا سبيل للتخطيط دون تحديد الهدف.
العمل بشكل عكسي بدءا بالهدف؛ باتخاذ الخطوات اللازمة للوصول إليه وتذليل الصعوبات التي تحول دون تحقيقه خلال التمرين.
تقسيم الخطة لخطوات أصغر مع تحديد توقيت إنجاز كل خطوة حتى تتمكن من متابعة الأداء دون تأخر ومواصلة المضي قدما.
أطلب تقييم ذوي الخبرة لأدائك أو استعن بتصوير نفسك أثناء أداء المهمة، فلو أردت مثلا أن تحسن الحديث أمام العامة استعن بتصوير نفسك وأنت تلقي كلمة وقارن نفسك بمتحدثين آخرين.
إذ شعرت بعدم التحسن، عاود العمل عكسيا، ما الذي يفعله الآخرون وينقصك؟ التراجع قد يكون وسيلة لإحراز تقدم من جديد.
قاد غوستافسون في تسعينيات القرن الماضي فريق “إي إف كي غوتبورغ” وتصدر الدوري خمس مرات متفوقا على أي مدرب آخر بتاريخ الأندية السويدية. ورغم تجاوزه سن الستين اليوم مازال غوستافسون يباشر شؤون الناشئين بالنادي.
يقول: “أردنا تعليم الناشئين في سن 12 (بنادي إي إف كي غوتبورغ) خطة مثلث برشلونة لتمرير الكرة عبر التمرين المستمر، وقد تحسن الأداء بشكل مذهل خلال خمسة أسابيع حتى أصبحوا يمررون نفس تمريرات برشلونة في المنافسات. ولا يعني ذلك أنهم ينافسون أداء لاعبي برشلونة بالطبع، ولكن أدهشتني سرعة تعلمهم”.
أصبح تصوير الفيديو وسيلة أساسية للتقييم، ويقول غوستافسون: “الاكتفاء بالحديث إلى اللاعبين لا يعطيهم نفس الصورة التي تريدها. إذ يلزم أن يشاهدوا أنفسهم ويقارنوا الأداء بلاعبين آخرين. ويفضل الناشئون التقييم عبر الفيديو، وقد اعتادوا تصوير أنفسهم والآخرين، وكمدرب يصعب تقييم كل لاعب بمفرده لأن هناك عشرين لاعبا في فريق التدريب، أما التدريب المتعمد يتيح للأشخاص القدرة على تقييم أنفسهم”.
ويركز غوستافسون على ضرورة التقييم بعد الأداء مباشرة، لأن تصحيح الأخطاء خلال التمرين، يختصر الوقت ويجنب حدوث أخطاء.
ويقول هيو ماكاتشيون، مدرب فرق الكرة الطائرة بجامعة مينيسوتا الأمريكية : “أهم شيء هو هدف اللاعب وحرصه على التعلم. يجب أن يشعر أثناء التمرين أن لا ضير من ارتكاب الأخطاء في سبيل التعلم ومن ثم تحسين الأداء. قد لا يكمل البعض المضمار لأن الوصول لمرحلة الإتقان التام ليست سهلة، ولا يختلف ذلك من رياضة لأخرى إذ ما يميز الأفضل هو اتقان المهارات اتقانا تاما ولا يمكن الوصول إلى ذلك دون التزام مطلق”.
“قاد هيو ماكاتشيون فريق الفتيات الأمريكي للكرة الطائرة للحصول على فضية أولمبياد لندن 2012 بعد أن قاد فريق الرجال لذهبية بكين
درب ماكاتشيون فريق كرة الطائرة الأمريكي رجال وفاز بذهبية أولمبياد بكين عام 2008، وكانت المرة الأخيرة التي حققوا فيها هذا الإنجاز قبل عشرين عاما، ودرب بعدها فريق كرة الطائرة سيدات وقادهن للفوز بفضية في أولمبياد لندن 2012.
ويقول: “علينا مسؤولية تعليمهم، وعليهم مسؤولية التعلم. النجاح ليس قرينا بما يقدم من تمرين، والناجح هو من يصر على مواصلة تحسين أخطائه. ليس في الأمر عصا سحرية تحيلك للاحتراف، ورغم كثرة الموهوبين – والموهبة ليست نادرة – بل النادر هو من يقرن الموهبة بالجد والسعي المركز نحو الإتقان التام”.
أهمية التخطيط الجيد
حين أراد دويتش إتقان مهمة وجد أحيانا أن هناك خططا معدة سلفا لتعلم بعض المهارات مثل تذكر أوراق اللعب، حيث يقول إن 90 بالمئة من أسلوب التعلم متفق عليه بالفعل.
أراد دويتش تطبيق طريقة “التدريب المتعمد” على تحدٍ مجرد يتطلب منه وضع استراتيجيته بنفسه، وتمثل ذلك في حل الكلمات المتقاطعة التي تنشرها صحيفة “نيويورك تايمز” يوم السبت، ويقول إن تلك الكلمات كانت من التعقيد بحيث يصعب حلها بشكل ممنهج وقد حاول حلها بتطبيق ما تعلمه من أساليب من تحديات سابقة.
“لا يضمن قضاء عشرة آلاف ساعة تدريب الوصول لأعلى مستوى بل يلزم أن يقترن ذلك بالتخطيط الجيد”
يقول دويتش: “هل يسهل حل أحجية بمعرفة أكثر من ستة آلاف كلمة شائعة؟ يمكن تطبيق ذلك بالنسبة للكلمات المتقاطعة الأسهل، أما في أحجية السبت فلا يساعد كثيرا وإن كان مفيدا. درست أحد المواقع لاستقاء البيانات المطلوبة، واستنادا للطريقة التي تعلمت بها إحدى اللغات بتحد سابق استخدمت برنامجا لتذكرها، وخلال أسبوع حفظت ستة آلاف إجابة”.
واستطاع دويتش بفضل إلمامه بالإجابات تعلم جميع الإجابات المشتركة، ثم حلل تركيب الكلمات المتقاطعة عموما ووجد أن بعض الحروف تأتي تباعا أكثر من أخرى، وساعده ذلك في تقليل احتمالات المساحات الشاغرة عن طريق استبعاد الكلمات غير المرجحة. وأخيرا اعتمد على توسيع قاعدة مرادفاته ليصل إلى احتراف حل الكلمات المتقاطعة بعد أن كان مبتدئا.
ويقول: “كثيرا ما نظن أننا لن نستطيع إنجاز شيء ما في وقت قصير، ونظن أن الأمر يتطلب جهدا أكثر من الواقع. ولكن التخطيط السليم يذلل العقبات والأفكار المغلوطة، ومباشرة التدريب ساعة كل يوم لمدة شهر ليس بالوقت الكثير، والسؤال متى كانت آخر مرة قضيتَ فيها 30 ساعة تباشر العمل في شيء محدد؟”
ونجح دويتش في 11 مهمة من مهامه الـ 12، إذ لم يتمكن من هزيمة بطل العالم في الشطرنج.