مفهوم – يمكن أن يحتوي القمر والكويكبات المجاورة على ثروات وموارد لا حصر لها تساعد في استكشاف الفضاء بصورة أكبر. وهناك بلد صغير يهدف إلى أن يحتل مركزا رياديا في هذا السباق الجديد نحو الفضاء.
بينما تتسارع وتيرة سباق فضائي جديد، روّج العديد من مديري شركات تكنولوجيا الفضاء لكوكب المريخ باعتباره وجهة جديدة للبشرية بديلاً عن الأرض. لكنهم ربما وضعوا أنظارهم على مكان بعيد جداً. إن فرصتنا الأسهل لوجود حياة بعيداً عن الأرض تقع في مكان أقرب بكثير من المريخ، ويمكن أن يُعبَّد الطريق إلى ذلك المكان من قبل شركات أقل شهرة.
هل نعيش قريبا في مستعمرات بشرية في الفضاء؟
مستقبل الفضاء: هل نقيم مستعمرات بشرية “تحت” سطح القمر؟
إن بناء مستعمرات على سطح القمر “سيوفر برنامج عمل لكوكب المريخ”، حسب قول علماء وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”. ومن المحتمل جداً أن يوظّف الرجال والنساء الذين سيبنون هذه المستوطنات القمرية من قبل شركات تنقيب صغيرة، وليس من قبل كبار رجال الأعمال في مجال التقنيات. كما أن العديد من هذه الشركات له ارتباط وثيق ببلد صغير من بلدان الاتحاد الأوروبي، وهو لوكسمبورغ.
والمثير للدهشة أن وكالة ناسا تعتقد أنه يمكن تشييد مثل هذه المستعمرات القمرية خلال السنوات الأربع القادمة.
تاكيشي هاكامادا هو أحد الذين يحاولون العودة بجرأة إلى حيث حطّت البشرية أقدامها من قبل. ومع ذلك، ففي هذه المرة يوجد حلم تجاري أكبر بكثير: وهو تمشيط القمر بحثاً عن موارد مربحة من المعادن والغازات، إضافة إلى مياه لاستدامة الحياة.
هاكامادا هو المدير التنفيذي لشركة “آيسبيس”؛ وهي شركة خاصة لاستكشاف الفضاء ومقرها طوكيو، وللشركة أيضاً مقر في لوكسمبورغ. إنها تخطط لإكمال مدار حول القمر في عام 2020، ومن ثم محاولة الهبوط بصورة سلسة على سطحه في عام 2021.
صورة من فوق سطح القمر” مكن لشعوب الأرض أن تستكشف القمر ولكن لن يُسمح لأيٍّ منها المطالبة بامتلاكه
يقول هاكامادا: “ستكون أولى مهمتين لنا بمثابة برهان على التقنية التي لدينا. من ثم، سنبدأ بتأسيس خدمة نقل تتعاقب رحلاتها سريعا لإيصال حمولات من الزبائن إلى القمر”.
ويضيف: “إذا وجدنا مصادر للمياه على سطح القمر، سيمكننا عندها تطوير قطاع جديد بأكمله للموارد في الفضاء”، كما أن اكتشاف حوض مياه متجمد فوق القمر سيكون بمثابة لحظة بارزة لجنسنا البشري، إذ سيمكننا ذلك من البقاء بعيداً عن الأرض لأوقات أطول.
لكن هاكامادا أبعد من أن يكون وحيداً في طموحاته نحو الفضاء. إذ توجد حالياً 10 شركات تنقيب فضائية (من بينها “آيسبيس”) مقرها القانوني في لوكسمبورغ، منذ إقرار ما يعرف بقانون “الموارد الفضائية” في شهر فبراير/ شباط من عام 2016.
ويدعم هذا القانون صندوق مالي بقيمة 223 مليون دولار. وبالنسبة لهذه المشاريع الفضائية، يعتبر القمر واحداً من اثنين من الأهداف الرئيسية التي تدرس حاليا؛ كما تتطلع المشاريع التجارية إلى الكويكبات القريبة من الأرض للتنقيب فوقها عن موارد طبيعية كالمعادن.
ويقول بعض الخبراء، ومنهم عالم الفيزياء الفلكية نيل دي غراس تايسون، إن الموارد المتوفرة فوق القمر وما يقدّر بنحو 16 ألف كويكب قريب من الأرض، قد تكون غنية بما يكفي لظهور أول تريليونير في العالم.
وقد تسارع السباق الحالي نحو الفضاء بعد أن أقرت لوكسمبورغ قانونها الجديد في عام 2016. وجعلها هذا ثاني بلد في العالم، بعد الولايات المتحدة، في توفير إطار قانوني شامل للتنقيب عن الموارد بعيداً عن كوكبنا.
“منذ فبراير 2016، تعاملنا مع قرابة 200 شركة اتصلت بنا”، كما يقول بول زينّرز، أحد الممثلين عن وزارة الاقتصاد في لوكسمبورغ، وهي الوزارة التي تدير مبادرة “موارد الفضاء” الحكومية.
وهناك اختلافات في الإطار القانوني الفضائي في لوكسمبورغ عما هو عليه في الولايات المتحدة. فالقانون في البلد الأخير يطالب الشركات بأن تملك حكومة الولايات المتحدة حصة فيها تزيد عن 50 في المئة، بينما لا تجد مثل هذا الشرط في قانون لوكسمبورغ.
كما يتّهم البعض لوكسمبورغ الغنية، والتي تصنَّف باعتبارها أغنى أمة في العالم بحساب معدل دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي استناداً إلى صندوق النقد الدولي، بكونها ملاذاً آمناً من الضرائب. وهي توفر بالفعل حزمة من الفوائد والحوافز الضريبية، بما فيها معدلات منخفضة للغاية عند إعادة رأس المال إلى الوطن.
شركة فيرجن غالاكتيك – التي تأمل إطلاق سفينة فضاء من على متن طائرتها “وايت نايت”- هي إحدى الشركات التي تعمل الآن في لوكسمبورغ<
وكان لدخول لوكسمبورغ سباق الموارد الفضائية في عام 2016 تأثيره في جذب كبريات الشركات الأمريكية العاملة في هذا المجال، بما فيها شركات مثل “ديب سبيس اندستريز”، و”بلاناتاري ريزورسيز”، ومقرهما الولايات المتحدة. والأخيرة تعتبر السير ريتشارد برانسون، ولاري بيج، المؤسس المشارك لشركة غوغل، من بين أكبر مؤيديها.
وقد باعت شركة “بلاناتاري ريزورسيز”، وهي إحدى أقدم العاملين في الفضاء من القطاع الخاص، حصة بقيمة 28 مليون دولار أمريكي إلى لوكسمبورغ. ولم يُكشف أبداً عن نسبة الأسهم بالضبط، لكن مدير الشركة يقرّ بأن لوكسمبورغ هي من بين أكبر المستثمرين.
وقد فتح قانون الموارد الفضائية في لوكسمبورغ بوابة هائلة للاستثمارات، حيث تقول وزارة الاقتصاد الآن إن قطاع الفضاء يشكل قرابة 1.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهي أكبر نسبة في أي بلد من بلدان الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من حجم الاستثمارات في قطاع التنقيب الفضائي، فإن هذا المجال يسلط الضوء على مخاطر قانونية مبهمة.
وتقول دراسة أجراها مكتب “ألن آند أوفيري” للاستشارات القانونية في لوكسمبورغ: “ليس واضحاً ما إذا كانت قوانين الفضاء العالمية تتيح لبلد ما أن يمنح حقوق تملك موارد طبيعية يجري التنقيب عنها في الفضاء”.
وبعد مصادقة الولايات المتحدة على أول قانون عالمي للتنقيب في الفضاء في عام 2015، كانت روسيا إحدى البلدان التي عبرت عن اعتراضها.
ولفهم الغموض الذي يحيط بقطاع استكشاف موارد الفضاء، يجب علينا العودة إلى معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، وهي عبارة عن اتفاق في فترة الحرب الباردة يمنع تملك البلدان للأجرام السماوية.
“سطح القمر” تتطلع عدة شركات كبرى للاستفادة من الموارد والمعادن على سطح القمر
ومبدئياً، يعتبر الفضاء مجالاً مشاعاً، ليس كحال القطب المتجمد الجنوبي. ويجب أن يكون تطوير القوة العسكرية في الفضاء أمرا محدودا للغاية، بحسب معاهدة الفضاء الخارجي، والتي وقّعتها 105 دول.
لكن إذا أنشأت الولايات المتحدة فرعا عسكريا جديدا، وهو “سلاح الفضاء”، الذي أعلن الرئيس ترامب صراحة عن تأسيسه، سيتوجب على واشنطن أن تخرج من هذه المعاهدة، وهو ما سيزيد من عزلة الولايات المتحدة.
غير أن هذه المعاهدة تغاضت عن الإشارة إلى أية ملكية لموارد الفضاء، وهو “إغفال” دفع الولايات المتحدة ولوكسمبورغ إلى محاولة وضع إطار قانوني للاستفادة منه.
ومن غير المرجح أن يكونا الوحيدين؛ فقد وقّعت دولة الإمارات مؤخراً اتفاقاً للاستفادة من براعة لوكسمبورغ القانونية في هذا القطاع.
ويقول زينّرز: “قانون لوكسمبورغ حول التنقيب عن الموارد الفضائية واستعمالها يعالج هذا (الإغفال) ويوفر توضيحاً على المستوى الوطني، باعتباره خطوة أولى نحو تفعيل نشاطات الموارد الفضائية”.
“لا يوفر قانون لوكسمبورغ غاية أو هدفاً أو تأثيراً يمهد الطريق لأية ملكية وطنية لأجرام سماوية. إنه يعالج فقط ملكية الموارد الفضائية في إطار قانوني، كما يضع القواعد التي تنظم ترخيص القيام بالمهمات الفضائية والإشراف عليها”.
لعل الحجم الصغير لدولة لوكسمبورغ يساعدها في أخذ دور القيادة في سباق الوصول إلى ثروات الفضاء.
“إضافة إلى الولايات المتحدة، أثبتت لوكسمبورغ أنها بلد يتطلع للمستقبل، وأن نجاحها سيمكّن شركات خاصة من القيام بمهمات تنقيب فضائية معمقة”، حسب قول بيل ميللر، المدير التنفيذي لشركة “ديب سبيس اندستريز” ومقرها الولايات المتحدة، والتي تتخذ من لوكسمبورغ مقرا رئيسيا لها في أوروبا.