مفهوم – اختصَّ الله تعالى نساء نبيِّه محمَّدٍ عليه الصَّلاة والسَّلام بمجموعة من الفضائلِ والميّزاتِ الحسنة إكراماً لهن ومناسبةً لمقامِهنَّ بأنَّهنَّ زوجات الرَّسولِ المُصطفى حبيبُ اللهِ وخاتمُ أنبيائه.
فكانت أولى فضائلهنَّ رضوان الله عليهنِّ أن اختيار الله لهن الزواجِ من رسولهِ، ومِن فَضائلهنَّ شمولُ الرَّحمةِ الإلهيَّة لهنَّ باعتبارهنَّ من آل بيتِ النبيِّ، وزادهنَّ الله شرفاً بتفرُّدهنَّ في صحبةِ الرَّسولِ في جميعِ أحوالِهِ وخصوصياتِه وسُلوكاتِه، وزكَّاهنَّ بفضلِه بأن خيَّرهنَّ في كتابهِ العظيمِ فاخترنَ الله ورسوله والدَّارَ الآخرة على الدُّنيا وزينتها، فآتاهنَّ ما اخترنَ ورضي عليهنّ وأكرمهنّ، فحرَّمهنَّ على الرِّجالِ بعدَ رسولِ اللهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وميَزهنَّ فقال: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ).
أوَّل زواجِ الرَّسول
بدأت الحياةُ الأسريَّةُ للرَّسولِ عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ بِزواجِهِ الأوَّلِ من السَّيدة خديجة بنت خويلد عندَما بلَغَ الخامسةَ والعشرينَ من العُمر، وكان عُمرها في ذلك الوقتِ يُقارِبُ الأربعين، وبالرغم من الفارق العمري بين الزوج الشاب ذي الأخلاق الطيّبة والسُّمعة المحمودة والزوجة الثيِّبِ ذات النَّسبِ والمالِ والجاه، إلا أنّ خيوط الألفة والمودَّةِ نسجت حياةً طيبةً محمودة الذّكرى، فشهدت السيدة خديجة التي أنجبت لرسول الله عليهِ الصَّلاة والسَّلام ستة أبناءٍ تغيُّراتٍ محوريَّة انطَلقت من بيتها وأسرتها لتغيِّر شكل العالمِ وتُعيدَ ترتيبه من جديد؛ فكانَ أبرزُ ما شَهِدته الزَّوجةُ المُباركة مَبعثَ الوحيِ وتكليفَ الرِّسالةِ، فلَبَّت نداءَ ربِّها فكانت أوَّل من آمن به وصدَّقَ برسولِه، فسخَّرها الله له لتُخفِّفَ عنهُ همَّ الأمانةِ وتذودُ عنهُ أذى النَّاسِ حتَّى إذا ماتَت سُمِّيَ عام موتها بعام الحزن.
عدد زوجاتِ الرَّسول
قيلَ في عددِ زوجاتِ النبيِّ عليهِ الصَّلاة والسَّلام قولانِ،
الأوَّلُ أنَّ النِّساء اللواتي عقد عليهنَّ ودخل بهن اثنتا عشرة امرأة،
واستثنى القولُ الثاني رَيحانَةَ بنت زيد رضي الله عنها؛ إذ خيَّرها الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلامُ بين الزَّواج بهِ أو أن تكون في مُلكِهِ فاختارت أن تكون في ملكِه، فيكون تعدادُ أزواجه كما يرى القائلون بذلك إحدى عشرة زوجة. وقَد أفردَ رَسولُ الله عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ خديجة خمسةً وعشرين عاماً لم يتزوَّج في حياتها بأخرى، وكانَ زواجه الثَّاني بعد بلوغِهِ الخمسينَ من عمرهِ، وعندما ماتَ عليه السلام كان عندهُ تسعٌ مجتمعات.
وفيما يلي أسماءُ زوجاتهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ وتبيانُ ظروفِ زواجهنَّ:
خديجة بنت خويلد:
وهي خَديجةُ بنت خُوَيْلد بن أَسَد بن عبد العُزَّى بن قُصَيّ القُرشيّة الأَسَديّة، وأمها فاطمة بنت زائدة، قرشية من بني عامر بن لؤيّ، كانت تُلقَّب قبل الإسلام بالطَّاهرةِ، وتُكنَّى بأمِّ هندٍ لولدها من زوجها الثاني أبي هالة مَالك بن النبَّاش بن زُرَارة، أما زوجها الأوَّل فهو عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، تزوَّجها الرَّسول عليهِ الصَّلاة والسَّلام أوَّلَ زواجِهِ قبل البعثة بخمس عشرة سنةً ولم يجمَع معها من زوجاتِه أحداً فولدت له جميعَ أبنائه إلا إبراهيم، وتوفِّيت رضيَ الله عنها قبلَ الهجرة بأعوامٍ قليلة.
سودة بنت زمعة:
أمَّ الْأسود سَوْدة بنت زَمْعَة بن قيس بن عبد شمس بن عبد وُدّ بن نَصر بن مَالك بن حِسْل بن عَامر بن لُؤَيّ بن غَالب بن فِهر القرشيّة العامريّة، أوَّل زوجاتِ الرَّسولِ عليه الصَّلاة والسَّلام بعد خديجة، أمّها الشموس بنت قيس بن زيد الأنصارية، من بني عدي بن النجار، كانت زوجةً للسَّكرانِ بن عمرو بن عبد شمس بن وُدٍّ فأسلمَ وماتَ عنها بعد الهجرة الثَّانية إلى الحبشةِ، فَخطبتها لرسولِ الله عليه الصَّلاةُ والسَّلام خولة بنت حكيمٍ رضي الله عنها، فتزوَّجها قبل الهجرة بأعوامٍ قليلةٍ، وكانت تبلغ من العمر خمساًَ وخمسين سنةً، وتوفِّيت آخر عهد عمر بن الخطاب، وفي رواية أنها ماتت سنة أربع وخمسين، رضي الله عنها وأرضاها.
عائشة بنت أبي بكر:
عَائِشَة بنت أبي بكر عبد الله بن أبي قُحافة عُثْمَان بن عَامر بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تَيْم بن مُرَّة بن كَعْب بن لُؤَيّ بن غَالب بن فِهر، بنت الصِّديقِ صاحبُ رسول الله وأوَّل المسلمين، أمها أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية، وُلدت عائشة رضي الله عنها بعد بعثة الرَّسولِ بأربعِ سنواتٍ أو خمس، وتزوَّجها عليهِ الصَّلاة والسَّلامُ بعدَ سودَةَ بشهرٍ قبل الهجرة بسنتين أو ثلاثٍ، وكانت تبلغُ من العمر حينئذٍ ستَّ سنواتٍ، فلم يبنِ بها حتَّى بَلغت التاسعة، فكانَت ثاني زوجاته بعد خديجة، والبِكرُ الوحيدةُ بين زوجاته، توفِّيت عائشةُ رضي الله عنها سنة ثمانٍ وخمسين للهجرة.
حفصة بنت عمر بن الخطَّاب:
بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عبد الْعُزَّى بْنِ رِيَاحٍ، وَأُمُّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبٍ. وُلِدت قبل بعثةِ النَّبيِّ بخمسة أعوامٍ، كانت زوجةً للخُنَيس بن حُذَافة بن قَيس بن عَديّ بن سعد فَمَاتَ عَنْهَا بِالْمَدِينَةِ إثر جُرحٍ أصابهُ في بدرٍ، فتَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام قَبْلَ أُحُدٍ، وتوفِّيت سنة خمسٍ وأربعين للهجرة بعمر ستين سنة، رضي الله عنها وأرضاها.
زينب بنت خزيمة:
بنت خزيمة بن عبد الله بن عمر بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية، تزوَّجها الرَّسول عليهِ الصَّلاة والسَّلام بعد حفصة، وكانت قبله عند عبد الله بن جَحْش فاستُشهد يوم أُحد، وقيل إنّها كانت زوجةً للطُّفيل بن الْحَارِث بن المطَّلب بن عبد مَنَاف بن قُصيّ، فطلّقها، فتزوّجها أَخُوهُ عُبيدة بن الْحَارِث، فاستُشهِدَ عُبيدةُ أثناءَ قتالِهِ بمعرَكةِ بدر، ثمَّ تزوَّجها الرَّسولُ عليه الصَّلاة والسَّلام، كانت تكنَّى بأمِّ المساكين لعطفها وإحسانها، لبثت عند الرَّسولِ شهوراً قليلة، وماتت عنه بنت ثلاثينَ سنةً في السنة الرابعة للهجرة.
أمُّ سلمة:
هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ سُهَيْلِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الله، وَأُمُّهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ القرشية المخزوميَّة، مشهورة بكنيتها، كانت زوجةً لأبي سَلمَة عبد الله بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالٍ، فلمَّا توفِّيَ عنها تزوَّجها الرَّسول عليهِ الصَّلاة والسَّلام، توفِّيت رَضي الله عنها سنة تسعٍ وخمسينَ للهجرة.
زينب بنت جحش:
بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ بْنِ مُرَّةَ، أُمُّهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَلِّبِ بْنِ هَاشِمٍ عمَّة رسولِ الله عليه الصَّلاة والسَّلام، زوَّجها الرَّسول الكريمُ من زيد بن الحارثة مُتبنَّاهُ، فطلَّقها زيدٌ وتزوَّجها الرَّسولُ بأمر الله لمَّا نزلت آية التبنّي، وماتت سنة عشرين للهجرة لتكون أوَّل نساء الرَّسول لحاقاً به.
جويرية بنت الحارث:
بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ، كانت زوجةً لمالكَ بن صفوان، وتزوَّجها الرَسول عليه الصَّلاة والسَّلام بعد غزوة المريسيع.
رَيحانَةَ بنت زيد:
بنت زيد بن عَمْرو بن خُناقة بن شَمْعُون، من بني قريضةَ، كانت من سبايا يوم قُريضةَ فخيَّرها الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام بدينها فأسلمت فأعتقها وتزوَّجها، وقيل إنّه خيَّرها بين ذمَّتهِ وملكِه فاختارت ملكَه ولم تكن من زوجاته، وكانت شديدة الغيرة على رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام.
أم حبيبة:
رَمْلَةُ بِنْتُ أبي سُفْيَانَ صَخْر بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَأُمُّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، أسلمت مع زوجها عُبيد الله بن جَحْش وهاجرا إلى الحبشةِ، فارتدَّ زوجها إلى النَّصرانيَّةِ، فأرسلَ رسولُ الله عليه الصَّلاة والسَّلام إلى النَّجاشي من يخطبها له، فزوّجها النَّجاشيُّ لرسولِ الله، وكانت وُلِدت لزوجها عبيد الله بنتاً سُمِّيت حبيبة وبها تُكنَّى.
صفيَّةُ بنت حُيي:
بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ مِنْ وَلَدِ هَارُونَ النَّبِيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام، وَأُمُّهَا برة بنت سمؤل، قُتِلَ زوجها كِنانة بن الرَّبيع بن أبي الحُقَيق النَّضري الشَّاعِر يومَ خيبَر فوقَعت في الأسرِ، فخيَّرها الرسولُ عليهِ الصَّلاة والسَّلام بين اليهوديّة والإسلام فأسلمت، فأعتقها وتزوَّجها وكانت ابنة أربعة عشر عاماً، توفيت رضي الله عنها سنة اثنتين وخمسين للهجرة، ودُفنت في البقيع.
ميمونةَ بنت الحارث:
بنت الْحَارِث بن حَزْن بن البُجَير بن الهُزَم بن رُوَيْبة بن عبد الله بن هِلَال بن عَامر بن صَعْصَعة العامريّة، أرملة أَبُي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدٍّ، وخالة خالد بن الوليد وعبدالله بن عباس، وأخت أم المؤمنين زينب بنت خزيمة من أمِّها، تزوَّجها الرَّسول عليهِ الصَّلاة والسَّلام في السنة السابعة للهجرة وكانت آخر زوجاتِه، توفيت رضي الله عنها في حياة عائشة. رضي الله عنهنَّ جميعاً.