مفهوم – تعلم لغة جديدة يعتبر تحدي يواجه الكثيرين ومع إختلاف اللغات التي يرغبون في تعلمها، لكن يبقى التحدي واحد.
حيث ينظر البعض إلى تعلم لغة جديدة على أنه فكرة مخيفة من الأساس، فآلاف الكلمات الغريبة والتراكيب المختلفة والشعور بالحرج كلها عوامل كافية لأن تجعل الكثيرين يشعرون بالقلق. كما أن الانشغال بالحياة العملية يجعل من الصعب على المرء أن يجد الوقت اللازم لتعلم لغة جديدة.
لكن الخبراء يتفقون على أنه من الممكن إحراز تقدم كبير في هذا الأمر من خلال الالتزام بالتعلم لمدة ساعة واحدة يومياً. ليس هذا فحسب، بل يمكن للمهارات التي تُكتسب من ممارسة لغة جديدة أن تمنح المرء إحساساً بالتفوق الكبير في مكان العمل.
وتُظهر الأبحاث أن هناك علاقة مباشرة بين الذكاء وإتقان لغة ثانية، وبين مهارات الذاكرة وزيادة التحصيل العلمي.
واعتمادا على لغتك الأصلية واللغة التي تتعلمها، يمكنك تكوين مجموعة من الفوائد الإدراكية والمعرفية على المدى القصير أو حتى مدى الحياة. وبالطبع، كلما كانت اللغة الجديدة بعيدة عن لغتلك الأصلية، كانت أصعب في التعلم (الهولندية والفيتنامية على سبيل المثال)، لكن التركيز على تطبيق محدد يمكن أن يختصر الوقت اللازم للتعلم بشكل كبير.
وسواء كنت تتعلم اللغة لتساعدك في الحصول على وظيفة جديدة، أو حتى لإجراء محادثة عابرة، فبإمكانك صقل المهارات اللغوية مهما كان عمرك أو خبراتك السابقة.
اللغات الأصعب
ويقسم المعهد الأمريكي للخدمات الخارجية اللغات إلى أربع مجموعات، من حيث صعوبة التعلم لمتحدثي اللغة الإنجليزية الأصليين. وأشار المعهد إلى أن المجموعة الأولى، التي تشمل الفرنسية والإسبانية والألمانية والرومانية والإيطالية والبرتغالية والسواحيلية، هي الأسهل بالمقارنة بباقي المجموعات.
وحسب دراسة أجراها المعهد،، يتطلب الوصول إلى مستوى أساسي من إتقان لغة من اللغات السابقة نحو 480 ساعة من الممارسة والتدريب.
ويزداد الأمر صعوبة كلما انتقلنا إلى الأسفل في القائمة، إذ يستغرق الأمر 720 ساعة لإتقان لغة من لغات المجموعة الثانية، والتي تشمل البلغارية والبورمية واليونانية والهندية والفارسية والأوردية.
وتضم المجموعة الثالثة الأمهرية والكمبودية والتشيكية والفنلندية والعبرية، أما المجموعة الرابعة فتضم أكثر اللغات صعوبة للناطقين باللغة الإنجليزية، وهي العربية والصينية واليابانية والكورية.
ويقول الخبراء إن تعلم لغة ثانية يكون مفيدا للغاية في تعزيز الفوائد المعرفية، كما أن ذلك يؤدي بشكل طبيعي إلى تطور وظائفنا التنفيذية.
وتُعرف جولي فييز، أستاذة في قسم علم الأعصاب بجامعة بيتسبيرغ، الوظائف التنفيذية بأنها “القدرة عالية المستوى على الاستفادة من المعلومات واستخدامها بطريقة مرنة والاحتفاظ بهذه المعلومات في الذاكرة والتخلص من معلومات أخرى لا لزوم لها.
ويطلق عليها اسم الوظائف التنفيذية لأنه يُنظر إليها على أنها مهارات يجب أن تتوفر في المدير التنفيذي، الذي يتولى إدارة مجموعة من الناس ويتعامل مع كثير من المعلومات ويقوم بمهمات متعددة ويحدد الأولويات وفقا لأهميتها”.
تتقن ليزا مينيغيتي، محللة معلومات من تريفيزو بإيطاليا، التحدث بالإنجليزية والفرنسية والسويدية والإسبانية والروسية والإيطالية. وعند البدء في تعلم لغة جديدة، وخاصة إذا كانت لغة أقل صعوبة وتتطلب قدرات إدراكية أقل، فإن التحدي الأكبر الذي كان يواجهها يكمن في تجنب الخلط بين المفردات.
وتقول: “من الطبيعي بالنسبة للمخ أن ينتقل لاستخدام المصطلحات المختصرة. ويحدث ذلك في كثير من الأحيان وبسهولة أكبر مع اللغات التي تنتمي إلى نفس العائلة، لأن التشابه فيما بينها يكون كبيرا.”
وتشير بيفرلي بيكر، أستاذة اللغات الأجنبية بجامعة أوتاوا، إلى أنه يمكن التغلب على هذه المشكلة بكل بساطة عن طريق تعلم لغة ذات عدد قليل من المفردات المتشابهة مع اللغة التي تعرفها سلفاً.
وتضيف: “إذا اخترت لغتين تختلفان في نظام الكتابة وفي أشياء أخرى، (كاليابانية والإسبانية على سبيل المثال)، فإنك لن تواجه مشكلة الخلط بين الكلمات”.
التعلم لمدة ساعة
ويمكن تعلم أساسيات أي لغة في وقت قصير، وهناك برامج مثل “دولينجو” و”روسيتا ستون” يمكنها أن تساعدك في التغلب على بعض التحديات ومعرفة بعض العبارات البسيطة بسرعة كبيرة. ويوصي تيموثي دونر، الذي يتحدث أكثر من لغة، بقراءة ومشاهدة مواد تهتم بها وتحبها من الأساس.
ويقول: “إذا كنت تحب الطبخ، اشتر كتابا متخصصا في الطبخ باللغة الأجنبية التي تريد أن تتعلمها. وإذا كنت تحب كرة القدم، حاول أن تشاهد مباراة بتعليق بهذه اللغة. وحتى لو ساعدك ذلك على معرفة عدد قليل من الكلمات كل يوم، فسيكون من السهل عليك تذكرها بعد ذلك.”
لكن يتعين عليك أن تخطط لكيفية استخدام هذه اللغة في المستقبل، وبإمكانك أن تضع جدولا زمنيا لقضاء ساعة كل يوم في التدريب على استخدام تلك اللغة بطرق مختلفة.
وتختلف آراء الخبراء اللغويين فيما يتعلق بكيفية قضاء هذا الوقت، لكنهم أجمعوا على نصيحة بعينها، وهي ضرورة تخصيص نصف ساعة على الأقل تبتعد فيها عن الكتب ومقاطع الفيديو لكي تتحدث وجهاً لوجه مع متحدث أصلي للغة الأجنبية التي تتعلمها.
يقول فييز: “يتعلم بعض البالغين اللغة ويحاولون تذكر الكلمات والتدرب على طريقة نطقها بطريقة صامتة، ولا يكلفون أنفسهم عناء المحاولة وإجراء محادثة باستخدام هذه اللغة. لكنهم بهذه الطريقة لا يتعلمون لغة أخرى، بل يتعلمون فقط العلاقة بين الصورة والصوت”.
وكما هو الحال مع التمرينات الرياضية أو تعلم العزف على الآلات الموسيقية، يوصى الخبراء بتخصيص وقت قليل للتدريب بصورة يومية بدلا من قضاء أوقات أطول في مرات متباعدة.
وذلك لأنه بدون جدول زمني ثابت ومستمر فإن المخ يفشل في الربط بين المعلومات الجديدة وأي تعلم سابق. وبناء على ذلك، فإن تخصيص ساعة واحدة يومياً على مدار خمسة أيام في الأسبوع سيكون أفضل من التعلم لخمس ساعات مرة واحدة أسبوعيا.
وحسب المعهد الأمريكي للخدمات الخارجية، يستغرق الأمر 96 أسبوعاً، أي نحو عامين، على هذا النسق لإتقان لغة من لغات المجموعة الأولى.
تقول مينيغيتي: “يمكن أن يُلبي تعلم لغة ثانية حاجة سريعة لديك، لكنه يساعدك أيضاً على أن تكون شخصاً أكثر فهماً وتعاطفا مع الآخرين عن طريق فتح المجال أمام طرق جديدة من التفكير والإحساس. فالأمر يتعلق بكل من معدل الذكاء ومعدل الذكاء العاطفي معا”.
إن تخصيص ساعة من يومك لتعلم لغة جديدة يمكن أن يساعدك على تنمية مهارات التواصل التي تقربك من أقرانك في العمل وفي البيت وفي الخارج.
وتقول بيكر عن ذلك: “الأمر باختصار يتمثل في أن تعلم لغة واحدة، أي لغة في أي ثقافة، يساعدك على التأقلم والتكيف والمرونة عندما تواجه ثقافات أخرى”.