مفهوم – زين قيصر إسم غير معروف تحول خلال فترة قصيرة إلى أحد أبرز مرتكبي الجرائم الإليكترونية اللذين قضوا فترات عقوبة في سجون المملكة المتحدة.
تمكن قيصر الطالب الذي درس البرمجة الإليكترونية من جمع مئات آلاف الجنيهات عن طريق ابتزاز مستخدمي المواقع الإباحية على شبكة الإنترنت، وذلك بتنفيذ هجمات إلكترونية على تلك المواقع.
وقد استخدم قيصر، وهو من سكان منطقة باركينغ في لندن، مهاراته في البرمجة لخداع زوار المواقع الإباحية حول العالم.
واكتشف المحققون نحو 700 ألف جنيه إسترليني من أرباحه، لكن من المرجح أن تكون شبكته حققت أكثر من 4 ملايين جنيه إسترليني.
وحُكم على قيصر البالغ 24 سنة من العمر، بالسجن لأكثر من ست سنوات .
وعلمت المحكمة أنه أكثر مجرمي الإنترنت الذين حكم عليهم في المملكة المتحدة نشاطا في الهجمات الالكترونية.
وقال القاضي تيموثي لامب لقيصر: “كان الضرر الناجم عن الانتهاكات التي نفذتها أكبر من أن يقارن بأي حالة مسبوقة”.
ويعد الحكم الصادر بحق قيصر بالسجن لمدة ست سنوات وخمسة أشهر، ثاني نجاح كبير للوكالة الوطنية البريطانية لمكافحة الجريمة، بعد سجن رجل بريطاني في وقت سابق من هذا العام بعد تعطيله لخدمة الإنترنت في دولة ليبيريا في إفريقيا عام 2016.
“كان قيصر يجعل المستخدمين يعتقدون بأنه سيقبض عليهم” كان قيصر يجعل المستخدمين يعتقدون بأنه سيقبض عليهم
هجوم من غرفة النوم
ألقي القبض على قيصر منذ نحو خمس سنوات، لكن السلطات ارتأت تأجيل القضية بسب تعقيدات التحقيق ومخاوف من أن يكون لدى قيصر مشاكل في الصحة العقلية.
وقد بدأ قيصر العمل من غرفة نومه في منزل والديه في منطقة باركينغ حين كان يبلغ 17 عاما فقط، وبدأ بجني المال عن طريق ما يعرف بهجمات “الفدية” الإلكترونية .
وهجوم “الفدية” هو هجوم إلكتروني على كومبيوتر شخص ما، ومن ثم تثبيط الجهاز بواسطة أحد البرمجيات، إلى أن يدفع الشخص رسوما مقابل إعادة الكومبيوتر خاصته للعمل بشكل طبيعي.
وتحدث الملايين من هذه الهجمات كل يوم في جميع أنحاء العالم، والمثال الأكثر شهرة في المملكة المتحدة هو هجوم “واناكراي” على أجهزة كومبيوتر هيئة الرعاية الصحية الوطنية عام 2017.
واتصل قيصر بشخص روسي يتحكم بواحدة من أكثر أدوات الهجوم قوة ووافق على تقاسم أرباحه معه إذا كانت عملية الابتزاز المخطط لها ناجحة. بدوره، أجرى الروسي اتصالات مع قراصنة إنترنت من الصين والولايات المتحدة الأمريكية للمساعدة في تحويل الأموال.
وعلى مدار 18 شهرا، أصبح قيصر المصدر الشرعي للإعلانات، وحجز مساحات إعلانية على بعض المواقع الإباحية القانونية الأكثر شعبية في العالم.
لكن كل الإعلانات التي روج لها على المواقع الإلكترونية تحتوي على أداة برمجية خبيثة تسمى “الصياد”.
وبذلك فإن أي زائر للمواقع الإباحية حين ينقر على أحد الإعلانات المزيفة لقيصر، قد ينتهي به الحال إلى تحميل جهاز الكمبيوتر الخاص به “لملفات الهجوم”.
وإذا لم يكن الكمبيوتر المنزلي محميا بواسطة برنامج حديث لمكافحة الفيروسات، يعمل برنامج “الصياد” على البحث عن الثغرات الأمنية، وإذا أمكن، يحمل برنامج “الفدية” الذي يستولي على وسائل التحكم بالجهاز.
بعد ذلك تظهر على جهاز المستخدم رسالة تحتل كامل مساحة الشاشة، تزعم بأنها من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) أوغيره من وكالات إنفاذ القانون، وتتهم الرسالة المستخدم بخرق القانون وتحذره من أنه قد يواجه عقوبة السجن لثلاث سنوات ما لم يدفع بشكل فوري غرامة قدرها تقريبا 200 دولار أمريكي أو 100 جنيه إسترليني .
كما أن الرسالة تزعم أيضا أن الشرطة قد التقطت صورا من كاميرا جهاز المستخدم خلال زيارته للمواقع الإباحية، مع تحذير بالدفع قبل أجل محدد.
وقال المدعي جول سميث لمحكمة التاج في كينغستون “دفع الكثير من رواد المواقع الإباحية تلك الغرامة بدافع الخوف من الحرج من معرفة الأصدقاء أو أفراد الأسرة دخولهم لتلك المواقع”.
وأضاف: “ومن الواضح أن من اشتكى للجهات القانونية المعنية هم قلة قليلة ممن تعرضوا لهذا النوع من الابتزاز”.
وتقول الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة إنه من المستحيل معرفة عدد الأشخاص الذين دفعوا بدقة، لكن بيانات تحليلية كشفت أن تعاملات قيصر المالية كانت هائلة.
وقد كشفت إحدى الصور الملتقطة لشاشة نظام التحكم الخاص به أنه جنى نحو 11 ألف جنيه إسترليني في شهر يوليو/ تموز وحده عام 2014.
وفي تجربة أخذ العينات، عمدت الوكالة إلى رصد أحد الإعلانات المزيفة التي ظهرت على 21 مليون موقع الكتروني كل شهر، بما في ذلك 870 ألف ظهور لهذه الإعلانات على مواقع إباحية دخلها أشخاص من المملكة المتحدة.
واتضح أنه جرى تحميل ملفات الهجوم على نحو 165 ألف جهاز كمبيوتر، من المحتمل أن يكون حوالي 5 في المئة من هؤلاء، أي نحو 8 آلاف، قد وقعوا ضحية لهجوم “الفدية”.
وأثبت المحققون الماليون أن عمليات قيصر قد جنت نحو أربعة ملايين جنيه إسترليني على الأقل من خلال سلسلة من منصات العملات الرقمية، على الرغم من أن الكثير من هذه الأرباح قد تم استثمارها مرة أخرى في عمليات الاحتيال عن طريق شراء المزيد من المساحات الإعلانية.
وقال المحققون إن، الطالب السابق في علوم الكمبيوتر، كان قد تلقى شخصيا ما يقرب من 550 ألف جنيه إسترليني، حتى وقت القبض عليه.
وأثناء التحقيق المطول معه، وجد المحققون أنه تلقى 100 ألف جنيه إسترليني إضافي بينما هرب شركاؤه أموالا عن طريق جبل طارق وبليز، إلى حساب يمكن الوصول إليه عبر الإنترنت في المملكة المتحدة.
لكن يرجح أن يكون لدى قيصر مبلغ أكبر يستثمره بالعملات الرقمية، لأنه كشف في إحدى الدردشات عبر الإنترنت أن لديه “مدخرات خارجية”.
وقال مايك هوليت، رئيس قسم التحقيقات الإلكترونية في وكالة مكافحة الجريمة الوطنية: “نعد زين قيصر أبرز مرتكبي الجرائم الإلكترونية الذين حققنا معهم”.
وأضاف: “أن حجم الأعمال التي أنجزها وتعقيدها، خاصة عدد الأشخاص المنخرطين في أعماله من جميع أنحاء العالم وتواتر عملياته جعلها ناجحة للغاية وأدى به إلى كسب هذا القدر الكبير من المال”.
وخلص هوليت للقول: “لا أعتقد أننا سنعرف العدد الحقيقي للأشخاص الذين دفعوا لقيصر”.
ولم يكن لدى قيصر خلال تنفيذ أعماله تلك، أي دخل قانوني، لكنه حافظ على نمط حياة باذخ.
وقد أنفق ما يقرب من 5 آلاف جنيه إسترليني لشراء ساعة من طراز رولكس، وألفي جنيه إسترليني لقاء الإقامة في أحد فنادق منطقة تشيلسي الفاخرة في لندن.
وكان قيصر ينفق بانتظام المال على عاملات في الدعارة وعلى المخدرات والقمار، بما في ذلك ما يقرب من 70 ألف جنيه استرليني انفقها في ناد للقمار في مركز تسوق شهير.
تهديد للوسطاء
على الرغم من أنه لا يبدو أن مستخدمي المواقع الإباحية قد أخطروا الشرطة مباشرة في أي مكان في العالم، إلا أن وسطاء الإعلان الذين وضعوا، عن غير قصد، إعلانات ترويجية لبرامج قيصر، قد أبلغوا الشرطة.
وعندما طلبت شركة كندية تبيع مساحات إعلانية من قيصر أن يتوقف عما يفعله، شن ضدها هجوما هائلا عبر الإنترنت، ما تسبب لها بأضرار بمئات الآلاف من الجنيهات.
ومن ثم بعث للشركة الوسيطة برسالة تحذيرية مفادها “من الأفضل حقا أن نعمل معا، يمكننا أن نكسب الكثير من الأموال معا، إما أن تختاروا طريقتي أو لا خيار آخر أمامكم، لقد عاد الملك”.
وقالت محامية الدفاع إليزابيث لامبرت، إن قيصر عانى من نوبات من المرض العقلي وكان تحت تأثير المجرمين الإلكترونيين الأكبر سنا والأكثر خبرة.
ونفى قيصر في البداية ارتكاب هذه الجرائم وادعى أنه تعرض للاختراق، قبل أن يعترف بأنه مذنب في 11 تهمة، بما في ذلك الابتزاز والاحتيال ومخالفات الكمبيوتر وحيازة الممتلكات الإجرامية.