مفهوم – تعلم لغتين في نفس الوقت! بالتأكيد ربما يتعجب البعض من هذه الفكرة، ولكن مع أهمية تعلم اللغات الأجنبية وخاصة وكونها هي البوابة الأوسع للانفتاح على العالم ونقطة القوة التي قد يرتكز عليها المرء للحصول على عملٍ أو تطوير لدراسة وتعلم، فقد يرغب البعض في تعلم لغتين أو أكثر في نفس الوقت اختصارًا للوقت.
لنكون أكثر واقعيةً، فمتخصصو المجال انقسموا فيما بينهم إلى شطرين: هناك من يفضل تعلم لغة واحدة فقط قبل البدء في تعلم لغة أخرى، وذلك حفاظًا على التركيز وعدم التشتت، بينما يرى آخرون أنّ تعلم لغتين فيه من المهارة ما يساعد المتعلم على التقدم في عمليته بشكل أسرع وعملي.
نقدم خلال هذا الموضوع بعض النصائح الهامة والعناصر الأساسية ليصبح تعلم أكثر من لغةٍ ممكنًا وفعالًا:
لغتان فقط … فأكثر من ذلك صعبٌ جدًا
النصيحة الأولى التي يجب البدء بها هي العدد الأمثل للغات التي يمكن تعلمها. صحيح أنّ تعلم أكثر من لغة ممكنٌ، لكن الأمر لا يعني قدرة العقل على استيعاب الكثير من اللغات في آن واحدٍ، خصوصًا وإن كانت أول تجربة لك في تعلم أكثر من لغة. لهذا، اكتفي بلغتين فقط بشكلٍ مبدئي.
يمكنك بعد ذلك المرور إلى لغة ثالثة، لكن بعد أن تضمن أنّك حصلت على الأقل على مستوى “المتحدث” (من مستويات اللغة) في أحد اللغتين أو كليهما، ولذلك من أجل ضمان عدم نسيانك للمصطلحات أو القواعد، وعدم تراجع مستوى تعلمك.
ابحث عن الحافز وحافظ عليه
بعد أن اتفقنا على أنّ لغتين فقط هو العدد الأنسب لتعلمك، يجب أن تبدأ في البحث على الحافز الأساسي والصلب الذي سيرافقك طوال مسيرة التعلم، فلا أحد ينكر أنّ تعلّم اللغات الأجنبية أمر ليس سهلًا أبدًا، ولن يكون لمدة أسبوع فقط أو شهر، بل إنّه يجب أن يستمر لمدة طويلة نسبيًّا، والأهم ألّا تنقطع عن التعلم.
لهذا، سطر أهدافك بشكل أساسي، وخذ قرارك بشكل جدي ناضج. حتى يتسنى لك الإقدام بخطى سريعة متواصلة. تحقيقًا لذلك، ابحث عن وسيلتك الأنسب للتحفيز كأن تتخيل شكلك وأنت تتقن لغتين أجنبيتين جديدتين، أو أن تكتب في ورقةٍ بخطٍ عريض هدفك الأساسي “تعلم لغتين أجنبيتين” (ولا تجعل منه تحدٍ إعجازي؛ كأن تصل لمستوى المتحدث في كليهما بعد شهر واحدٍ …).
كلما احتجت لجرعة تحفيزٍ أعد تكرار العملية، أو انظر في ورقة أهدافك!
تنظيم الوقت الجيد هو ضمان التعلمِ الجيد
إنّ الوقت أهم الموارد النادرة التي قد لا تتوفر للشخص، فكثرة الانشغالات والالتزامات اليومية قد تحول دون استطاعته تحقيق أهدافه من تعلمٍ للغتين أجنبيتين. لكن، وفي حال توفر العنصر سابق الذكر – التحفيز – فإنّ الشخص سيجد نفسه قادرًا على الوصول لمراده.
فالوقت هنا لا يعني بالضرورة حصص تعلم من ساعتين أو أكثر، بل يكفي وضع برنامجٍ ثابتٍ متواصلٍ يضمن لك تنوع أساليب التعلم من جهة، وتحقيق أكثر أداء وأفضل فعالة في التعلم من جهة أخرى. هنا، أقترح عليك أحد البرامج التي طرحناها سابقًا، لتساعدك على تعلم لغة أجنبية خلال السنة الجديدة، ولما لا. يمكن مضاعفة المدة أو الحصص وتقسيمها بين اللغتين المختارتين.
لغتين أجنبيتين … والأهم “غير متشابهتين”
بعد ضبط الجوانب التقنية والتحفيزية لتعلم اللغتين، حان الوقت لاختيار اللغتين. طبعًا يبقى الأمر في الأول والأخير حسب حاجتك وحسب أولوياتك، لكن الشرط الأساسي هو اختيار لغتين غير متشابهتين. كأن تتعلم مثلًا الإنجليزية والإسبانية، الألمانية والفرنسية، التركية والإيطالية … لايمكنك تعلم الإسبانية والإيطالية معًا مثلًا، فكلاهما متشابهتان إلى حد كبير من حيث طريقة النطق، الأصوات، والكلمات، الأمر الذي سيشكل لديك خلطًا بينهما، فيتشتت تركيزك ويتقلص من تحفيزك لتعلمهما.
الاختلاف أيضًا قد يطال طريقة الكتابة، فحروف اللغة الفرنسية والإنجليزية ليست نفسها حروف اللغة الروسية أو الكورية، فتعلم لغتين بطريقة كتابة غير اعتيادية أمر معقد قليلًا.
إذًا، قبل اختيار لغتيك الأجنبيتين، ضع قائمةٍ باللغات التي تفضل تعلمها، وابحث قليلًا عن التشابه بينها. في الأخير، اختر أكثرها اختلافًا، فهذا ضمان تعلمك السليم لكليهما.
لغة صعبة ولغة سهلة … التوازن المطلوب
من ناحية أخرى، يجب أن تبحث على تحقيق التوازن من حيث الصعوبة أيضًا، وهنا الأمر نسبي نوعًا ما، فقد أرى أنّ الألمانية لغة صعبة بينما قد تعتقد أنت العكس، وبما أنّني أتحدث الفرنسية فالإسبانية بالنسبة لي لغة سهلة لكنها ربما تعتبر لغة صعبة بالنسبة إليك إن كنت تتقن الإنجليزية … وهكذا. إلى جانب ذلك، قد نتفق كلانا على أنّ هناك لغات صعبة مصنفة عالميًّا كالعربية، الصينية، اليابانية …
لهذا، وكما فعلت في النقطة السابقة، فعليك البحث عن تعلم لغة سهلةٍ ولغة صعبة سواءٌ بالنسبة لك أو بالنسبة للتصنيف العام، فهذا سيمكّنك من التقدم في كليهما وتحقيق سرعة في التعلم والاستيعاب، عكس اختيار لغتين صعبتين في آن واحد والذي سيقلص بشكل كبير في رغبتك وتحفيزك، وسيشكل لك عائقًا كبيرًا.
طبق قانون باريتو لتضمن أكبر أداءٍ
إنّ آخر ما يمكن تقديمه هاهنا هو قانون باريتو 20 – 80، والذي يمكن أن يطبق بشكل أساسي في تعلم اللغات. بإسقاط قاعدته الأساسية على اللغتين الأجنبيتين (الصعبة والسهلة المختارتين) يمكن أن تقسم مجهودك وبرنامجك حيث تسخر 80% منهما لتعلم اللغة الصعبة، بينما 20% لتعلم اللغة السهلة. الأمر الذي سيخلق لك توازنًا هامًا في تعلمك.
أيضًا وخلال تعلمك أيضًا، يمكن أن تركز مجهودك على تعلم الكلمات المستعملة، الأفعال الدارجة … فهي تشكل ما يقارب 80% من اللغتين، بينما يمكن أن تفهم 20% من النصوص أو الحوارات حسب السياق.
إن كنت من محبي تعلم اللغات الأجنبية، فأظن أنّ هذا المقال موجه لك بالدرجة الأولى ومفيدٌ لك كثيرًا، بينما إن كنت ممن يترددون في تعلم اللغات، ويفقدون حافزهم بسرعة، فأنصحك أن تعيد ترتيب أفكارك وأهدافك، فلم يفت الأوان بعد، وها أنت ذا، بدل لغة واحدة، يمكنك تعلم اثنتين!