خلق العفو و التسامح

مفهوم – خلق الله عز وجل الإنسان من أجل وظيفتين اثنتين؛ الأولى هي عبادة الله سبحانه وتعالى “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”، فهو الخالق المصور، وهو الذي صورنا فأبدع تصويرنا، وخلقنا في أحسن تقويم، ثم وهبنا ما وهب من نعم لا تعد ولا تحصى.
أما الثانية، فهي تعمير الأرض “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة”، وخلافة الله في أرضه وتعميرها لن يستقيم ولن يحدث إلا من خلال حسن المعاملة بين الإنسان وأخيه الإنسان
ونحن نتحدث عن واحد من أهم الأخلاق التي لابد لكل إنسان أن يتصف بها راغبا في أن يحسن معاملة أخيه. نتحدث عن خلق، ما أجمله من خلق، وما أصعب أن يلتزم به الإنسان فيكون واحدا من سماته التي لا تفارقه أبدا، ويكون نعم الرفيق، ونعم الصاحب الذي لا يضل صاحبه أبدا.

تعريف العفو لغةً واصطلاحًا

العفو لغةً هو مصدر الفعل عفا يعفو عفوًا، وأصله الطمس والمحو، ويأتي بمعنى الترك، أمّا اصطلاحًا فالعفو هو ترك المؤاخذة على الذنب، والتجاوز عنه، وترك المعاقبة عليه.

أنواع العفو

عفو الله عن عباده ويكون عفوه عنهم بترك مؤاخذتهم على ذنوبهم، وعدم محاسبتهم عليها، فالله هو العفُوّ الذي يمحو سيئات عباده ويتجاوز عنها،

وينال العبد عفو الله بعدة وسائل منها: الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء، أي دعاء العفو. التوبة من الذنب، والندم عليه، فالتوبة من الأعمال الصالحة التي تُمحى بها السيئاتُ. استغفار الله تعالى على الذنب. عفو العبد عن إخوته وقبول أعذارهم رجاءً في أن يعامله الله تعالى بالمثل. العفو أبلغ من المغفرة، كون المغفرة تعني ستر الله ذنب العبد صيانةً له من الفضحية، ولا يستحقّ المغفرة إلّا المؤمن، حيث تقتضي إسقاط العقوبة عن الذنب، ونيل ثواب الله، أما العفو فيعني محو السيئة وأثرها، فلا يخجل العبد منها، ولا يُلام عليها.

ولقد ضرب الله سبحانه وتعالى لنا في ذاته عز شأنها لمثل الأعلى، وكيف لا وهو الغفار التواب، الرحمن الرحيم
ألم تسمع أن قحطا شديدا حدث في عهد “موسى” عليه السلام فكاد الناس يموتون وتهلك البهائم فطلب بني إسرائيل وكانوا 170 ألفا وظل يدعو ويلح على الله ولم ينزل المطر فقال “موسى”: “يارب.. عودتني الإجابة ونحن ندعوك ونتذلل إليك”، فقال الله: “يا موسى بينكم رجل يعصيني 40 سنة فبشؤم المعصية منعتم المطر من السماء، فقال “موسى”: “يا رب فماذا نفعل؟” قال: “يا موسى أخرجوه من بينكم فإنه إذا خرج من بينكم هذا العاصي نزل المطر”، فوقف “موسى” في بني إسرائيل يقول لهم: “أستحلفكم بالله.. أقسمت عليكم بيننا رجل يعصي الله 40 سنة فليخرج من بيننا، فلن ينزل المطر حتى يخرج”
وكان هذا الرجل وسطهم وظل يلتفت يمينا وشمالا لعل أحدا آخر يخرج فلم يخرج أحد، فعرف أنه هو، فقال: “يا رب أعصيك منذ 40 سنة وأنت تسترني.. يا رب أنا اليوم إن خرجت فضحت وإن بقيت هلكنا ولم ينزل المطر.. يا رب أنا اليوم أتوب وأندم وأعود إليك، فتب عليّ واسترني”، فنزل المطر، فقال “موسى”: “يا رب نزل المطر ولم يخرج أحد”، فقال الله: “يا موسى نزل المطر بتوبة عبدي الذي عصاني منذ 40 سنة”، فقال: “يارب فدلني عليه لأفرح به”، فقال الله: “يا موسى عصاني 40 سنة وأستره، ويوم يعود لي أفضحه”
ما أعظمه، وما أحلاه من خلق إنه سمة من يقدر فهو القادر المقتدر، ومن يستطيع أن يقهر فهو القهار، وأن ينتقم فهو المنتقم، وأن يذل، فهو المذل، ولكنه يأبى أن يفعل ذلك، مفضلا أن يغفر لعباده فهو الغفار، وأن يصبر عليهم فهو الصبور، وأن يتوب عليهم، فهو التواب.. ما أعظمك يا ربي
وهنا تكمن الصعوبة أمامك أيها الإنسان الضعيف، فأين أنت من قوة وقدرة الخالق لتملك أن تسامح وأن تعفو وأن تصفح وأن تغفر، ولكن أليس ذلك دافعا لك وأنت الضعيف الفقير أن تقتدي بالقوي الغني، من أقوى من الله ومن أغنى من رب كل غني؟
ثم تأتي صعوبة أخرى وهي أن التسامح يبدو مخالف الأسلوب الإنسان، فكل منا تحدثه نفسه ويأخذه كبره لأن يشتم هذا ويبطش بهذا، فيشعر وقتها بارتياح غير معلوم سببها و منا من يعود فيندم على ما فعل ومنا من يغالبه كبره فيزداد بطشا على بطش، وقسوة على قسوة لهذا يا أخي ويا أختي فعلينا أن نهزم أنفسنا، ناظرين إلى ما وصف نبينا صلى الله عليه وسلم نفسه به حين قال: “أنا الرحمة المهداة”
ولنضع أمامنا رغبتنا في أن نكون من أهل الجنة التي أعدت للمتقين الذين تحدث عنهم الله عز وجل في كتابه الكريم إذ قال: “وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين”

وفي الأثر أنه إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: ليقم أهل الفضل، فيقوم اُناس من الناس فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنّة، فتتلقّاهم الملائكة فيقولون لهم إلى أين؟ فيقولون لهم إلى الجنة، قالوا: قبل الحساب؟ قالوا: نعم، قالوا: ومَن أنتم؟ قالوا: نحن أهل الفضل، قالوا: وما كان فضلكم؟ قالوا: كنّا إذا جهل علينا حلمنا وإذ أسي‏ء إلينا غفرنا، قالوا: ادخلوا الجنّة فنِعمَ أجر العاملين.
ونحن إذا نظرنا إلى حياتنا سنجد أن 90% من مشكلاتنا في بيوتنا ومجتمعاتنا تتعلق بالأساس بالتسامح، لكننا نجد من يقول: “لا.. ماهو أنا لو اتنازلت عن حقي الناس هتفكر إني ضعيف”.. كلا والله فإن التسامح ليس إذلالا للنفس وإنما هو منتهى القوة، وهو منتهى القدرة، فكن متسامحا عفوا تكن عند الله في مصاف الأقوياء القادرين، “ومن عفا وأصلح فأجره على الله

العفو في القرآن الكريم:
– قد أشار القرآن الكريم إلى العفو فقال تعالى ” إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا “وعفو الله تعالى مع قدرته على خلقه هو العفو عند المقدرة.. وليس أحد أقدر على الخلق من الخالق.. ومع ذلك يعفو عنهم.
– وقد جعل العفو من عزم الأمور قال تعالى ” ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور ” 43)سورة الشورى
– وأمر تعالى بالعفو في قوله تعالى ” وليعفو وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ” (22)سورة النور
ومن من الناس لا يحب أن يغفر الله له؟! فلماذا لا يعفو؟
– وأمر الله نبيه بالعفو فقال ” خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين
– ومدح العافين عن الناس ووصفهم بالمحسنين فقال تعالى ” والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ” (134) سورة آل عمران
– وجعل أجر العفو على الله وليس على الناس فقال تعالى ” فمن عفا وأصلح فأجره على الله ” وهذا العفو ليس من مدير ولا رئيس ولا وزير ولا سلطان ولكنه من الله.. والله هو الجواد الكريم فلا يجعل أجر العفو إلا الجنة.. كما قال تعالى ” ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ” والحظ العظيم هو الجنة..قال قتادة: الحظ العظيم هو الجنة.
– كما ذكر القرآن عفو يوسف (عليه السلام ) عن إخوته بعدما فعلوا ما فعلوا به وقال لهم ” لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم” فهو لم يعاتبهم على ما فعلوا به بل عفا عنهم دون أي كلمة لوم أو توبيخ
قال تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}(199) سورة الأعراف
قال تعالى {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}(85) سورة الحجر

– العفو في السنـــــة:
– السنة بها العديد من الأحاديث والمواقف النبوية التي تمدح العفو وتحث عليه ومنها: حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) المتفق عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب(
– قال ابن عثيمين (رحمه الله): “لأن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم فيفور دمه، فإن كان قويا ملك نفسه وإن كان ضعيفا غلبه الغضب.. وهذا الإنسان الذي لا يملك نفسه عند الغضب يكون قلبه به الكثير من الغل والحقد والحسد وروح العدوان وإيذاء الآخرين
– ويبين (صلى الله عليه وسلم) أن العفو يورث العز فف ي مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):”ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله(
– وقال (صلى الله عليه وسلم):”من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة فيخيره من الحور العين ما شاء”..وقال أيضا:”حرام على النار كل قريب لين سهل قريب من الناس”.
– وهل هناك عفو مثل عفو النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الأعرابي الذي جاء والنبي نائم تحت شجرة وسيفه معلق بها فأخذ السيف واستيقظ النبي والسيف في يده وهو يقول: من يمنعك مني يا محمد فقال النبي:الله، فسقط السيف من يده فأخذه النبي وقال: ومن يمنعك مني فقال: كن خير آخذ يا محمد فعفا عنه وهو الذي أراد قتله، فرجع إلى قومه يقول لهم جئتكم من عند خير الناس.) فأي عفو أعظم من هذا
– ولأهمية العفو نجد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يدعو بهذا الدعاء وخاصة في ليلة القدر: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.
وفي الحديث عن عقبة بن عامر قال: “لقيت رسول الله فابتدأته فأخذت بيده فقلت: يا رسول الله أخبرني بفواضل الأعمال فقال: يا عقبة صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك” مسند الإمام أحمد
وعن أبي عبد الله الجدلي قال: “سألت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله فقالت( لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح” رواه الترمذي
وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ارحموا ترحموا واغفروا يغفر لكم ويل ٌ لأقماع القول، ويلٌ للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون” رواه الترمذي
عن عائشة رضي الله عنها قالت ( ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى. رواه مسلم.
وعن أنس رضي الله عنه قال (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه، فضحك ثم أمر له بعطاء). متفق عليه
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كأني انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) متفق عليه
ورسولنا صلى الله عليه وسلم ألّف حول دعوته القلوب، وجعل أصحابه يفدونها بأرواحهم وبأعز ما يملكون بخُلقه الكريم، وحلمه، وعفوه، وكثيراً ما كان يستغضب غير أنه لم يجاوز حدود التكرم والإغضاء، ولم ينتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها.
فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ودخلها نهاراً بعد أن خرج منها ليلاً، وحطم الأصنام بيده، ووقف أهل مكة يرقبون أمامه العقاب الذي سينزله بهم رسول الله جزاء ما قدموه له من إيذاء لا يحتمله إلا أهل العزمات القوية، إلا أنه قال لهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء. فاسترد أهل مكة أنفاسهم وبدأت البيوت تفتح على مصاريعها لتبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه، الله أكبر، ما أجمل العفو عند المقدرة.. لقد برز حلم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف الذي سار عليه الأنبياء من قبله.

لقد جاء الإسلام ليكفكف نزوات الإيذاء والظلم والتسلط والإساءة إلى الغير ويقيم أركان المجتمع على الفضل، وحُسن التخلق والصفات النبيلة التي منها الصفح، والعفو عن الإساءة والأذى، والحلم وترك الغضب والانتصار للنفس والإنسان منا في حياته يلاقي كثيرا مما يؤلمه ويسمع كثيرا مما يؤذيه، ولو ترك كل واحد نفسه وشأنها لترد الإساءة بمثلها لعشنا في صراع دائم مع الناس وما استقام نظام المجتمع، وما صلحت العلاقات الاجتماعية التي تربط بين المسلمين.. فالإنسان في بيته ومع أسرته قد يرى ما يغضبه ، ومطلوب منه شرعا أن يكون واسع الصدر يسارع إلى الحلم قبل أن يسارع إلى الانتقام، وبذلك تظل أسرته متحابة متماسكة.. ومَنْ أخطأ اليوم فقد يصلح خطأه في الغد ويندم على ما قدم من إساءة، والإنسان في عمله في الموقع الذي هيئ له، يخالط غيره من الناس ويتعامل مع كثير من أبناء المجتمع، وقد يُستغضب ويرى ما يسوؤه، فعليه أن يضع بدل الإساءة إحسانا ومكان الغضب عفوا وحلما، وأن يتذكر قوله تعالى (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(34) سورة فصلت. هذا هو المجتمع الفاضل الذي ينشده الإسلام، مجتمع ود، ومروءة، وخير، وفضل، وإحسان.. مجتمع متماسك البنيان متوحد الصفوف، والأهداف، فقلة الحلم وكثرة الغضب آفتان اثنتان، إذا استشرتا في مجتمع ما قوضتا بنيانه، وهدمتا أركانه، وقادتا المجتمع إلى هوة ساحقة، وقطعت أواصر المحبة والألفة التي بين أفراده، وفي هذا دليل على أثر العفو والصفح عن الإساءة على المسلم والمجتمع

أقوال في العفــــو:
– قال أبو بكر: بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديا يوم القيامة فينادي من كان له عند الله شيء فليقم أهل العفو فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس.
– قال معاوية: عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال.
– وقال: لو كان بيني وبين الناس شعرة ما قطعت إن جذبوها تبعتهم وإن جذبتها تبعوني لكي لا تنقطع.
– وهذا ابن مسعود ( رضي الله عنه): ذهب ليشتري الطعام فلما أراد أن يدفع الثمن وجد أن الدراهم سرقت فدعا الناس على السارق، فقال ابن مسعود: اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها، وإن كان حملته جراءة على الذنوب فاجعله آخر ذنوبه.
– فالمسلم هينا لينا سمحا نقيا، سهلا عفوا قريبا من الناس، متوددا إليهم، باذلا لهم، ناصحا إياهم، ملتمسا لهم الأعذار في تصرفاتهم.
– قال ابن القيم (رحمه الله): “يا ابن آدم إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لا يعلمها إلا هو وإنك تحب أن يغفرها لك الله، فإذا أحببت أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده، وإن أحببت أن يعفو عنك فاعف أنت عن عباده، فإنما الجزاء من جنس العمل”..
– وهذا عمر الفاروق: يعفو عن الناس جميعا ويقول: كل الناس مني في حل..
إن مما يشرف الله به النيات ويرفع به الدرجات أن تحلم على من جهل عليك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعــــــــك”
قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله : ” إنك إن تلقى الله ومظلمتك كما هي ، خير لك من أن تلقاه وقد اقتصصتها ”
– قال المهلب بن أبي صفرة: ما شيء أبقى للملك من العفو. خير مناقب الملك العفو.
– وخطب خالد بن عبد الله القسري بواسط فقال: إن أكرم الناس من أعطى من لا يرجوه، وأعظم الناس عفواً من عفا عن قدرة، وأوصل الناس من وصل عن قطيعة.
– وقال المنتصر بالله عندما عفا عن أبي العمرّد الشاري: لذة العفو أعذب من لذة التشفي، وأقبح فعال المقتدر الانتقام.
فوائد العفو
– العفو والتسامح وكظم الغيظ وضبط النفس عند الغضب والمصائب من الأخلاق الإسلامية العظيمة، الذي هو أبلغ في التعبير من الكلمات، وأقوى في التأثير من العبارات والمقالات،
– وهو يدل على قوة الشخص، وعلى سلامة النفس من الغل والحقد والحسد وعلى صفاء القلب من الروح العدوانية.
– إن التحلي بالعفو يريح النفس ويطمئن القلب.. كما يريح الأعصاب ويغني عن كثير من الأدوية.. لأنه يجعل صاحبه بعيدا عن توتر الأعصاب والقلق والاضطراب، وارتفاع ضغط الدم الذي يسبب كثيرا من الأمراض.. وذلك لأن صاحب القلب الخالي من العفو يملأ قلبه بالغل والحقد والحسد والتشفي والأخذ بالثأر، وهذا كله إعصار وبركان في النفس لا يهدأ حتى ينتقم فيقع فيما يندم عليه فيما بعد.
– والعفو: من أسماء الله الحسنى، ” إن الله كان عفوا غفورا ” ومعناه: أنه كثير العفو
– والعفو: صفة من صفات الله تعالى، ولولا عفوه تعالى عن خلقه ما ترك على الأرض من دابة.. قال الله تعالى ” ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ”
– والعفو: هو خلق الأنبياء والمرسلين في عفوهم عن أقوامهم وهم يؤذونهم ويعذبونهم.
– والعفو: هو خلق العظماء والسادة من الناس، وليس خلق الضعفاء والعبيد.
– والعفو: هو خلق الكرام من الناس وليس خلق الحقراء والأراذل من الناس.
– والعفو: يورث حب الله قال تعالى:” والعافين عن الناس والله يحب المحسنين”
– والعفو: يورث حب الناس فإن الناس يحبون من يعفو عنهم.
– والعفو: يورث العز في الدنيا والآخرة قال (صلى الله عليه وسلم):” ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا “.
– والعفو: سبب مغفرة الله تعالى ” وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ”
– والعفو: هو سر الحب المستمر بين المحبين، وهو علامة على حب الله للعبد الذي يتخلق به، وهو فرصة لتقارب القلوب والتآلف بينهما، وهو يريح من الكثير من الأمراض التي تدمر الأعصاب، فمن عفا عن الناس عفا الله عنه، ومن سامح الناس سامحه الله.
– فمن أراد أن يعفو الله عنه فعليه أن يعفو عن الناس، ومن أراد أن يسامحه الله فعليه أن يسامح الناس.
– وأهل العفو: هم أهل الإحسان، وهم أحباب الله تعالى، وهم الأقوياء العظماء الكرام

آثار العفـــــــو:
– للعفو آثار طيبة وعظيمة على العبد الدنيا والآخرة على الفرد والمجتمع، فما ذكرنا سابقا هو راجع في الغالب على العبد في الآخرة من الثواب العظيم والرفعة والجنة.
– أما في الدنيا فراحة النفس وطمأنينة القلب وهدوء البال وسلامة الأعصاب وصحة الجسد، وسعادته في الدنيا وهذا كله يعود على الفرد.
– أما على المجتمع: فتآلف القلوب وتماسك الصفوف وطهارة المجتمع من أمراض الغل والحقد والحسد وقلة الجرائم من السرقة والقتل.. غير ذلك من قلة القضايا التي تثقل كاهل القضاة في أمور تافهة من جراء عدم العفو والصفح.

فوائد العفو الصحية
– أما من الناحية الصحية والنفسية: فهناك فوائد كثيرة لمن يعفو عن الناس
– فمن الناحية النفسية: فقد ذكر علماء النفس أن الرضا عن النفس وعن الحياة يعالج كثير من الأمراض والاضطرابات النفسية.
– وقد ذكرت مجلة (دراسات السعادة) أن هناك علاقات وثيقة بين التسامح والمغفرة من جهة وبين السعادة والرضا من جهة ثانية، وقد تم إجراء دراسة على عدد من الأشخاص عن طريق توجيه عدد من الأسئلة.. وقد ثبت أن أكثر الناس سعادة هم الذين يعفون عن الناس.
– ويطلق علماء النفس على التسامح أنه يسمح للشخص بإطلاق مشاعره السلبية الناتجة عن غضبه من الآخرين بطريقة ودية.
– فالعفو يقي الإنسان من العديد من الأمراض.. فقد ذكرت دراسة أن هناك علاقة بين العفو وأمراض القلب. وأن أقل الناس إصابة بأمراض القلب هم أهل العفو.
– فهم لا يعانون من ضغط الدم والقلق والتوتر فهو يخفف نسبة موت الخلايا العصبية في الدماغ.. كما ثبتت الدراسات أن العفو يقوي جهاز المناعة لدى الإنسان وهو علاج قوي لعلاج الأمراض.
– وقد ذكرت دراسة أمريكية حديثة صورت من جمعية الطب السلوكي أثبتت أن العفو والتسامح يساعدان على تخفيف ضغط الدم والتوتر النفسي والقلق.

العفو سلاح الأقوياء
ندب الله عباده إلى العفو فقال: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199]. وقال تعالى(وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134].
إن الرحمة في قلب العبد تجعله يعفو عمَّن أساء إليه أو ظلمه، ولا يوقع به العقوبة عند القدرة عليه، وإذا فعل العبد ذلك كان أهلاً لعفو الله عنه. يقول الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} النور:22
وقد نزلت هذه الآية عندما حلف أبو بكر رضي الله عنه ألا ينفق على مِسْطَح لأنه من الذين اشتركوا في إشاعة خبر الإفك عن عائشة رضي الله عنها، وقد كان الحلف عقوبة من الصديق لمسْطَح، فأرشد الله إلى العفو بقوله(وَلْيَعْفُوا و لْيَصْفَحُوا ).
ثم ألمح الله في آخر الآية إلى أن من يعفو عمَّن يسيء إليه فإن الله يعفو عنه( أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)
وقد ورد عن الصديق رضي الله عنه أنه قال: “بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديًا يوم القيامة فينادي: مَن كان له عند الله شيء فليقم، فيقوم أهل العفو، فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس”.

الدعوة بالأخلاق الحميدة
إن الإسلام يريد من أبنائه أن يكونوا دعاةً للإسلام بأخلاقهم الحميدة من أجل ذلك وجههم إلى العفو حتى عن الكافرين إن أساءوا على المستوى الشخصي (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الجاثـية:14
ولقد كان تعامل المسلمين بهذه الأخلاق السامية مع غير المسلمين سببًا لإسلام كثير منهم، وأسوة المسلمين في هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: “كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) ”
إن تربية الإسلام لأبنائه على هذا المعنى العظيم السامي هي التي جعلت عمر بن الخطاب يقول: “كل أمتي مني في حِلٍّ”.
ونفس المعنى نستشعره في كلمات ابن مسعود رضي الله عنه حين جلس في السوق يشتري طعامًا، فلما أراد أن يدفع الدراهم وجدها قد سُرقت، فجعل الناس يدعون على من أخذها، فقال عبد الله بن مسعود: “اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها، وإن كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه”.

العفو أولى
وإذا كان الإسلام قد قرر حق المظلوم في معاقبة الظالم على السيئة بمثلها وفق مقتضى العدل، فإن العفو والمغفرة من غير تشجيع على الظلم والتمادي فيه أكرم وأرحم. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} الشورى: 39 – 43
فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاء ُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَة ٌ مِثْلُهَا} يبرز حق المؤمنين في الانتصار لأنفسهم إذا أصابهم البغي، ويضع لجامًا لهذا الانتصار للنفس وهو الحد الذي لا يجوز تجاوزه.
ثم يعرض الله مرتبة الإحسان مشجعًا عليها فيقول: { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ثم يتبع ذلك بإعلان حرمان الظالمين من محبة الله: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}. ثم يرجع النص فيعلن حق المظلومين في أن ينتصروا لأنفسهم، ويعلن بشدة استحقاق الظالمين للعقاب في الدنيا، وللعذاب الأليم في الآخرة فيقول: { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، ثم لا يدع النص مرتبة العدل هذه تتجه إليها الأنظار بالكلية، بل يدفع مرة ثانية إلى مرتبة الإحسان بالصبر والمغفرة معلنًا أن ذلك من عزم الأمور: {وَلَمَنْ صَبَر َ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.
وهكذا جاءت هذه الصفة في النص معروضة عرضًا متشابكًا متداخلاً، فيه إبداع بياني عجيب، يلاحظ في ه متابعة خلجات النفس، باللمسات الرفيقة، والتوجيهات الرقيقة، مع مراعاة آلام المجني عليهم، والنظر بعنف وشدة إلى البغاة الظالمين، وإعلان أن من حق المجني عليهم أن ينتصروا لأنفسهم بالحق، ثم العودة لدفعهم برفق إل ى الصبر والمغفرة، كل ذلك في ألوان دائرة بين العدل والإحسان.
ثم في آيات أخرى يبين القرآن ما لهؤلاء العافين عن الناس من الأجر: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آل عمران: 133، 134

العفو دليل كرم النفس
إن الذي يجود بالعفو عبدٌ كرمت عليه نفسه، وعلت همته وعظم حلمه وصبره، قال معاوية رضي الله عنه: “عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح و الإفضال”.
ولما أُتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث في وقت الفتنة قال عبد الملك لرجاء بن حيوة: ماذ ا ترى؟ قال: إن الله تعالى قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب من العفو، فعفا عنهم.
إن العفو هو خلق الأقوياء الذين إذا قدروا وأمكنهم الله ممن أساء إليهم عفوا.
قال الإمام البخاري رحمه الله: باب الانتصار من الظالم لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا.

العفو يورث صاحبه العزة
ولأن بعض الناس قد يزهد في العفو لظنه أنه يورثه الذلة والمهانة فقد أتى النص القاطع يبين أن العفو يرفع صاحبه ويكون سبب عزته. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله” رواه مسلم
وأولى الناس بعفوك الضعفاء من الزوجات والأولاد والخدم وغيرهم ، ولهذا لما بيَّن الله أن من الأزواج والأولاد من يكون فتنة قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التغابن:14
فالإنسان من عادته أن يكون البادئ بالإحسان لزوجه وأولاده، فإذا وجد فيهم إساءة آلمته جدًّا فا ربما اشتد غضبه وصعب عليه أن يعفو ويصفح لأنه يعتبر إساءة الأهل حينئذ نوعًا من الجحود ونكران الجميل، لهذا احتاج إلى توجيه إرشاد خاص إليه بأن يعفو ويصفح حتى يستحق من الله المغفرة والعفو والصفح.
أما الخدم فقد سئل عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالث ة قال: “اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة” [رواه أبو داود وصححه الألباني

اصلح ذات البين
الإصلاح عبادة جليلة، وخلق جميل يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو خير كله، قال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}النساء الآية 128، وبالإصلاح تكون الأمة وحدة متماسكة، يعز فيها الضعف، ويندر فيها الخلل، ويقوى رباطها ويسعى بعضها في إصلاح بعض، كما أن بالإصلاح يصلح المجتمع وتأتلف القلوب، وتجتمع الكلمة، وينبذ الخلاف وتزرع المحبة والمودة، فالإصلاح عنوان الإيمان وتحقيق للأخوة الإسلامية، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}،
قال تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}،
فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} (170)سورة الأعراف.
وروى البخاري في صحيحة عن سهل بن سعد رضي الله عنه (أن أهل قُبَاء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فَأُخْبِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: (اذهبوا بنا نُصلح بينهم).
كما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقه) رواه أبو داود، وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة، وصلاح ذات البين، وخلق حسن) (الصحيحة: وقول أنس رضي الله عنه: (من أصلح بين اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة)، ناهيك عما ورد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار)
. فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مشى في حاجة أخيه المسلم كتب الله له بكل خطوة يخطوها سبعين حسنة)
والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة، والمهم أن هذا عمل جليل وخلق عظيم يتصف به الخلص من عباد الله
أن قيامنا بمثل هذا العمل هو جزء يحتمه علينا ديننا الحنيف بتعاليمه السمحة قبل أن يكون جانبا ً إنسانياً،
أن الإصلاح عزيمة راشدة ونية خيرة وإرادة مصلحة، والأمة تحتاج إلى إصلاح يدخل الرضا على المتخاصمين، ويعيد الوئام إلى المتنازعين، إصلاح تسكن به النفوس وتأتلف به القلوب، ولا يقوم به إلا عصبة خيرة من خلق الله، شرفت أقدارهم، وكرمت أخلاقهم، وطابت منابتهم وإذا فقد
الإصلاح هلكت الشعوب والأمم وفسدت البيوت والأسر، وتبددت الثروات وانتهكت الحرمات وعم الشر القريب والبعيد. والمصلح قلبه من أحسن القلوب وأطهرها، ونفسه تواقة للخير مشتاقة يبذل جهده ووقته وماله من أجل الإصلاح.

ـ العفو عن القصاص:
قال تعالى: {فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيه ِ شَىْء فَاتِبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَـٰنٍ} [البقرة:178].
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار)
قال ابن سعدي: “فيه ترقيق وحث على العفو إلى الديَة، وأحسن من ذلك العفو “.
قال سيد قطب: “ولم يكن هذا التشريع مباحاً لبني إسرائيل في التوراة إنما شرع للأمة الإسلامية استبقاء للأرواح عند التراضي والصفاء”.
وقال سيد أيضاً: “ومن ثم ندرك سعة آفاق الإسلام وبصره بحوافز النفس البشرية عند التشريع لها ومعرفته بما فطرت عليه من النوازع، إن الغضب للدم فطرة وطبيعة، فالإسلام يلبيها بتقرير شريعة القصاص، فالعدل الجازمة و الذي يكسر شره النفوس ويفتأ حنق الصدور ويردع الجاني كذلك عن التمادي، ولكن الإسلام في الوقت ذاته يحبب في العفو ويفتح له الطريق ويرسم له الحدود، فتكون الدعوة إليه بعد تقرير القصاص دعوة إلى التسامي في حدود التطوع، لا فرضاً يكبت فطرة الإنسان ويحملها ما لا تطيق”.
مصائب الدنيا لا تنقضي ، وفواجعها لا تنتهي ، فهي سهام يرمي بها الله من يشاء من عباده لحكمه يعلمها تعالى ،
وليس لنا نحن العبيد إلا الإمتثال والتسليم ، والرضا بقضاء الله وقدره ..
وقد جاءت شريعة الإسلام السمحاء مرغبة في إعانة المؤمن لأخيه والأخذ بيده في كربته حتى يفرجها الله عليه ،
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
) من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة )
ونعلم جميعا أن هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان وإن الآخرة هي دار الجزاء والثواب ولقد قدر الله وما شاء فعل
ولا ننسى قَولِ اللَّهِ تَعَالَى ) وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا )
فيكفي في فضل إعتاق رقبة مسلمة قول النبي صلى الله عليه وسلم): من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضوٍ منه عضواً من النار)متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي سنن أبي داود والنسائي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وأيما رجل أعتق امرأتين مسلمتين إلا كانتا فكاكه من النار، يجزئ مكان كل عظمين منهما عظم من عظامه.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الرقاب ؟ فقال: أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمناً. متفق عليه.

تأكدي أنك لن تقدر على العفو الحقيقي إلا إذا احتسبت :
1- عمرك كله تدعي الله أن يغفر لك .. لقد أتتك المغفرة فلا ترديها !… قال الله تعالى) وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ( فاصفح رجاء أن يغفر لك الغفور الرحيم …
2- افعل ذلك لوجه الله واقهري أول أعدائك الشيطان فإن عفوك عمن أساء إليك يؤلمه أشد الإيلام لما يترتب على فعلك هذا من الأجر العظيم جداً … جداً . قال تعالى ) فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (
يا إلهي ! … هل تدرك معنى { فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}
إن أجرك لن يأتيك من وزير ولا من أمير ولا حتى من ملك مطاع
بل سيأتيك من ملك الملوك سبحانه فماذا تريد أفضل من ذلك وقد تكفل الله بأجرك وضمنه لك
3-العفو هو طريقك إلى “الحظ العظيم ”
قال الله تعالى) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (أي ادفع السيئة إذا جاءتك من المسيء بأحسن ما يمكن دفعهاً به الحسنات ومنه مقابلة الإساءة بالإحسان والذنب بالعفو ، والغضب بالصبر ، والإغضاء عن الهفوات ، والاحتمال للمكروهات .
وقال مجاهد وعطاء : بالتي هي أحسن : يعني بالسلام إذا لقي من يعاديه ، وقيل بالمصافحة عند التلاقي
4- احتسب ثواب الإقتداء بالله سبحانه ، ” والعفو صفة من صفات الله وهو الذي يتجاوز عن المعاصي ، وحظ العبد من ذلك لا يخفى وهو أن يعفو عن كل من ظلمه بل يحسن إليه كما يرى الله محسنا في الدنيا إلى العصاة غير معاجل لهم بالعقوبة ” . قال الله تعالى) إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ( فَإِنَّ اللّهَ كَانَ( عَفُوًّا ( عن عباده) قَدِيرًا)على الانتقام منهم بما كسبت أيديهم فاقتدوا به سبحانه فإنه يعفو مع القدرة ” .
– 5أجر الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والأنبياء جميعاً في عفوهم عمن ظلموهم وأساءوا إليهم مع قدرتهم عليهم .. فهؤلاء خيرة البشر يتركون العقوبة لوجه الله فمن نحن حتى نتعالى عن العفو ونعتبره ذلة ومهانة في حقنا طبعا هذا إذا كان العفو في مكانه المناسب .
6- احتسب بعفوك عن المسلمين أن تكون ممن يدرءون بالحسنة السيئة لتنالي جنات عدن ، قال الله تعالى) وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) 22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ){23}
– 7إن عفوك عمن ظلمك إحسان منك إلى مسلم ترجي به إحسان الله إليك … قال الله تعالى : (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ )ومعاملة الله له من جنس عمله , فإن من عفا عن عباد الله عفا الله عنه .
8- ألا يفوتك فضل الله يوم الاثنين والخميس …
قال صلى الله عليه وسلم (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين , ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء , فيقال : أنظروا هذين حتى يصطلحا . أنظروا هذين حتى يصطلحا ( رواه مسلم .
وأسألك بالله ما الذي يستحق في هذه الدنيا أن تحرم نفسك من مغفرة الله لأجله
9- أن يحبك الله وهذه من أغلى الأماني …
قال الله تعالى ) فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ( ومن أحبه الله أحبته الملائكة وأحبه الناس …
_10 احتسب أن يزيدك الله عزاً ورفعة , إما في الدنيا وإما في الآخرة أو فيهما معا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ): وما زاد الله عبدا بعفوا إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ( رواه مسلم

يعفون عن القصاص لوجه (الملايين) فيقتلون به قبيلة كاملة
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة العفو عن القاتل مقابل ملايين من الريالات قد تصل إلى العشرة أو أقل أو أكثر، و كيف تُسمى هذه الطريقة عفو لوجه الله؟ إن الإسلام أوجب القصاص أو الدية أو العفو، فإما قصاص تذهب فيه النفس بالنفس؛ ليأمن المجتمع وتنكسر شوكة القتلة وتُصان الدماء وتُحفظ الأنفس «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون» وإما دية محددة يأخذها ولي الدم ويتفق عليها من قبل الدولة ويرعى تحديدها ولي الأمر بما يراه العلماء مناسباً للعصر، وإما عفو لوجه الله لا يأخذ فيه ولي الدم قطميراً أو نقيرا بل له الأجر من الله وحده، كيف نفهم العفو من ولي دم يقول: عفوت لوجه الله مقابل 8 ملايين ريال وأربعة جيوب لكزس وآخر يقول عفوت لوجه الله مقابل مخطط في شمال الرياض ودار سكنية في مكة ومزرعة للعيال!، فكيف يكون هذا من أهل العفو والصفح؟! وقد أشرفتُ على قضايا طلب بعضهم الستة والسبعة والثمانية ملايين وهو عند نفسه قد عفا لوجه الله وقد تفضل مشكوراً على القاتل وأهله، ومن أين يجمع ولي الدم هذا المبلغ الذي تعجز عنه القبيلة بأسرها؟ فيركبه هم الدين وشماتة الشحاذة أمام الناس، لأن ولي الدم لم يأخذ بالقصاص ولا بالدية المحددة ولم يعف لوجه الله وإنما انتقل إلى المزاد العلني في بيع دم القتيل، أمام الجشع والطمع لأناس لـمّا قُتل إخوانهم وأبناؤهم أخذوها فرصة لجمع الملايين وأخذ المخططات والفلل واشتراط سيارات مع تحديد الموديل والمواصفات، ولماذا
نحن إذاً أمام مشكلة اجتماعية كبرى وهي: المزايدة في بيع دم القتيل تحت مسمى العفو لوجه الله وهذا تضليل للمصطلحات الشرعية، وأعرف بعض القضايا باع فيها أهل القاتل دورهم ومزارعهم؛ ليدفعوها لولي الدم الذي عفا بزعمه لوجه الله، أي عفو يا أخي ورصيدك وصل العشرة ملايين ريال وبعض الأسر عجزت أن تجد ألف ريال تشتري به لحماً وخبزاً، إذاً لنعد إلى الشريعة في القصاص أو الدية المعروفة أو العفو بلا مقابل إن الشريعة عظيمة لأنها ربّانية ولهذا حدّدت المسارات في القصاص والدية والعفو وحثت على العفو والمسامحة، ولكنها لم تترك الأمر نهباً مشاعاً للقبائل والعشائر يحددونه هم بل أوجبت على ولي الأمر أن يرعى تنفيذ هذه الأوامر الشرعية،

عفو عن القصاص في الأصل هو شيمة الأسخياء، وسجية الكرماء، وأدب الصالحين والأولياء، ودأب المؤمنين والأنبياء قال تعالى في آية القصاص (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) فقد سماه تعالى هنا أخاً على شدة الخصومة والتقاتل!

فاعفوا واصفحوا:
العفو أقرب للتقوى، والصفح أكرم في العقبى، والترك أحسن في الذكرى، والمنُّ أفضل في الآخرة والأولى. وهو أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة. ومعناه أن تستحق حقاً فتسقطه وتؤدي عنه قال تعالى في وصف المتقين وأعمالهم: (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) [آل عمران: 134].
“فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدنيا تجذب الناس إلى دين الله وترغبهم فيه مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص. والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين وتبغضهم إليه، مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول فكيف بغيره. أليس من أوجب الواجبات وأهم المهمات الاقتداء بأخلاقه الكريمة ومعاملة الناس بما كان يعاملهم به من اللين وحسن الخلق و التألف امتثالاً لأمر الله وجذباً لعباد الله لدين الله. ثم أمره تعالى بأن يعفو عنهم ما صدر منهم من التقصير في حقه ، ويستغفر لهم في التقصير في حق الله فيجمع بين العفو والإحسان”.
وقال تعالى [ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين][المائدة: 13]. إذ العفو والصفح هو عين النصر والظفر كما قال بعض السلف: ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه. وبـهذا يحصل لهم تأليف وجمع على الحق ولعل الله يهديهم، ولهذا قال تعالى [إن الله يحب المحسنين]أي بالصفح عمن أساء إليك
وفي مجال العقوبات قال تعالى [وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفى وأصلح فأجره على الله إن الله لا يحب الظالمين][الشورى: 40] وقال تعالى [ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأموري[الشورى: 43]. وقال تعالى [لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً. إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً][النساء: 148-149]. وقال تعالى [والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له][المائدة: 45]. وقال تعالى [وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين][النحل: 126].
وخلاصة القول في هذا: إن أوثق عرى الروابط الاجتماعية وأدعاها للتماسك والألفة مبناها على العفو والصفح، وهذه الصفة لا ينالها إلا أصحاب الحظوظ العظيمة والقلوب السليمة التي يعمرها الإيمان بالله عز وجل وأولئك هم المحسنون. قال تعالى [ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم][فصلت: 34-35].

شاركها

اترك تعليقاً