مفهوم – الحسين بن سينا عالم موسوعيّ من علماء المسلمين، وقد اشتهر بالشعر، والمنطق، والفلك، والطبّ، والفلسفة، والرياضيات، وتكلّم باللغة العربيّة واللغة الفارسيّة، ووُلِدَ ابن سينا في عام 980م، وسافر مع عائلته إلى بُخارى عندما كان في عُمر الخمس سنوات، وارتبطت نشأته بالمشاركة في النقاشات الدينيّة والفلسفيّة،
وعندما كان في عُمرٍ أقل من عشر سنوات حفظ القرآن الكريم، وعلّمه الخوارزمي اللغة، كما تعلّم الفقه، والمنطق، والجغرافيا، والرياضة، وظلّ حريصاً على التحصيل الدراسيّ والقراءة طيلة وقت النّهار.
نشأة ابن سينا وحياته
رحل ابن سينا إلى مدينة بخارى، ودرس في مدرستها، ثمّ التحق ببلاط السلطان نوح بن منصور الساماني، الذي أسند إليه متابعة أعماله المالية، وقد بدأ بعدها برحلته التعليمية، حيث حفظ القرآن الكريم كاملاً، وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، ثمّ درس علوم الفلسفة، والفقه، والطب، والأدب، علماً أنّه درس الفلسفة على يد العالم البخاري أبو عبد الله النائلي الذي تفرّغ لتدريسه كتاب (المدخل إلى علم المنطق)، والمعروف باسم إيساغوجي، وقد استمر مع معلمه هذا إلى أن غادر بلدة بخارى، وقد كان متوقد الذكاء، ذا موهبة فذة، وعبقرية واضحة.
علوم ابن سينا
تعلم ابن سينا حساب الهند، وعمل بالفقه، وألّف طرق المطالبة ووجه الاعتراض على المجيب، ثمّ درس لوحده كتاب إيساغوجي، وكتاب إقليدس، وأحكام المنطق، وفهمها، واستمر في تعليم نفسه بنفسه، حتى أصبح طبيباً وعالماً وفيلسوفاً، إذ إنه يعتبر أول من كتب عن الطب متبعاً في ذلك منهج جالينوس وأبقراط، حيث كتب القانون في الطب وهو أشهر أعماله كونه ظل مرجعاً رئيسياً لعلم الطب مدة سبعة قرون، ولا يزال العمدة في تعليم هذا الفن، ولا بد من الإشارة إلى أنه أول من وصف أسباب اليرقان، والتهاب السحايا، وأعراض حصى المثانة وصفاً صحيحاً، كما ولم يغفل أثر المعالجة النفسية في شفاء المريض.
العلوم الفلكية
استطاع ابن سينا أن يرصد مرور كوكب الزهرة عبر دائرة قرص الشمس بالعين المجردة، وقد أقر العالم الفلكيّ الإنجليزيّ جيرميا روكس ذلك، وكما قام بدراسات فلكية وهو في أصفهان، وهمذان، ثمّ اشتغل بالرصد، وابتكر جهازاً لرصد إحداثيات النجوم، ثم ألّف عدة مؤلفات، منها: كتاب الأرصاد الكلية، وكتاب الأجرام السماوية، ورسالة الآلة الرصدية، ومقالة في هيئة الأرض من السماء وكونها في الوسط، وكتاب إبطال أحكام النجوم.
علم الأحياء
نجح ابن سينا في علم وضع أسس علم طبقات الأرض، مثل تكوين الحجارة، والمعادن، والجبال، إذ يرى أنّها تكوّنت من طين لزج وخصب، إضافةً إلى أنّه تحدّث عن الزلازل وفسّر أسباب حدوثها، ووضّح كيفية تكون السحب، ووجد أنّ البخار هو أصل السحب، والمطر، والجليد، والثلوج، والبرد، والصقيع، وقوس قزح. علم النبات اهتم ابن سينا اهتماماً خاصاً بعلم النبات، حيث أجرى مقارنات علمية بين أزهار النباتات، وجذورها، وأوراقها، كما وصفها وصفاً دقيقاً، وتعرض لأنواع التربة، والعناصر المسؤولة عن نمو النباتات، إضافةً إلى أنّه تحدث عن ظاهرة المساهمة في النخيل والأشجار.
الفلسفة
يعتبر الفكر الفلسفي لابن سينا امتداداً لفكر الفارابي، حيث أخذ عنه فلسفته الطبيعية والإلهية، أي تصويره للوجود وللموجودات، كما وأخذ عنه نظرية الصدور، في حين عُني كثيراً بنظرية النّفس، وطوّرها، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ مخالفيه ادّعوا بأنه نادى بأن العالم غير مخلوق، وأنه أزلي، وأن الله لا يعلم الجزئيات، وأن أجسام الناس لا تقوم مع أرواحهم يوم القيامة.
الأدب عند ابن سينا
مثلما اشتهر ابن سينا بالطبّ والفلسفة تميّز أيضاً بحُبّه للأدب، وبناءً على قول أحد تلاميذه والمعروف باسم الجوزجاني أن ابن سينا تكلّم في أحد المجالس عن مسألة في اللغة، وأشار له أحد الحضور والمعروف باسم أبي المنصور الجبائي بأنّه حكيم وفيلسوف، ولكنه لم يتحدث عن اللغة بكلامٍ مناسبٍ، وأثّر ذلك في ابن سينا ممّا جعله يهتمّ بدراسة اللغة لمُدّة ثلاثة أعوام، فألّف ثلاث قصائد شعريّة استخدم فيها مفردات لغويّة غريبة، كما ألّف ثلاثة كُتبٍ لغوية، وصار لاحقاً ينظم النثر والشعر، فعُرِفَ بلقب الفيلسوف الأديب.
تميّز شعر ابن سينا بأنّه اعتمد في تأليفه على الإحساس بالأحوال المحيطة به والمشتقة من حياته، كما حرص على أن يدل شعره عليه مهما كان الغرض من تأليفه، واعتمد ابن سينا في كتابة النثر على تطبيق ثلاثة أساليب، وهي الأسلوب المُنتقى، والأسلوب الفلسفيّ، والأسلوب المرسل. كما حرص على أن يكون أنيقاً في كتابته، ومُحتفلاً بطريقته وأسلوبه.
إنجازات ابن سينا في الطبّ
ساهم ابن سينا في تقديم مجموعة من الإنجازات المهمّة في عالم الطبّ، والتي أدّت إلى تميّزه كطبيبٍ وعالم مشهور، وفيما يأتي معلومات عن أهمّ إنجازاته:
يُعدّ العالم الأوّل الذي اهتمّ بتوضيح تأثير الهواء الفاسد في نقل الأمراض، فأشار إلى أنه يحتوي على موادَّ تؤدي للإصابة بالأمراض، والمعروفة في العصر الحديث باسم الجراثيم.
استطاع أن يصف ويشرح العضلات الخاصة بالعين بشكلٍ صحيح. تحدّث عن فوائد ممارسة الرياضة، ووصفها بأنّها حركة ذات طبيعة إراديّة تعتمد على التنفس المتتابع. حرص على دراسة العديد من أنواع الأمراض، مثل السُّل الرئوي، والشّلل الدماغي، والتهاب السحايا، والسّكتة الدماغيّة.
ميّزَ بين المغص الناتج عن المثانة والمغص الكلوي، وطريقة استخراج الحصاة الموجود في كلٍّ منهما. أوّل عالم يصف بدقةٍ التهاب غشاء الجنب، واستطاع أن يميّزه عن الخُرّاج الذي يُصيب الكبد، كما ميّزَه عن التهاب الرئة.
أوّل طبيب يُقدّم وصفاً حول الالتهاب الحاد للسّحايا، وميّزه عن أنواع التهابات السّحايا الأخرى. أوّل من استطاع التمييز بين اليرقان الناتج عن الانسداد في القنوات الصفراء، واليرقان الناتج عن الانحلال الذي يُصيب الكريات الدمويّة.
يُعدّ من الأطبّاء الذين حرصوا على تطبيق العلاج النّفسي، ودرس أثره في آلام الأعصاب، وكان يهتمّ بتقديم العلاجات النفسيّة للعديد من المرضى.
وفاة ابن سينا
رحل ابن سينا إلى أصفهان، وتلقّى فيها رعاية الأمير علاء الدولة، إلا أنه كان يمرض أسبوعاً، ويشفى أسبوعاً، مما جعله يكثر من تناول الأدوية التي لم تجدِ نفعاً، حتى توقّف عن تناولها، ثمّ اغتسل وتاب، وتصدّق بأمواله إلى الفقراء، وأعتق غلمانه، ثمّ توفي عام 1037م عن عمرٍ يناهز الثامنة والخمسين عاماً، وقد دفن في همدان الواقعة في إيران.