الوضوء الصحيح و أحكامه

مفهوم – الوُضوء هو الأساس الذي تُبنى عليه الصّلاة؛ فإن صحَّ الوضوء صحَّت الصّلاة، وإن فسد فقد فسدت الصّلاة، وذلك لأنّ الوضوء شرطٌ في صحّة الصّلاة، لذلك ينبغي على المُسلم أن يَعي جيّداً كيفيّة الوضوء الصّحيح حتّى لا يقع في المَحضور وتبطُل صلاته بعد تعبٍ وعناء، ويمكن ألّا يعلم هو ببطلانها، ويعود الدّور في اعتبار الوضوء صحيحاً أو خاطئاً إلى التزام المُتوضِّئ بأركان وشروطه.

تعريف، ودليل مشروعية الوضوء: 

الوضوء لغة:

من الوضاءة، وهي النظافة والضارة، والوضوء (بالضم): الفعل، بالفتح): ماؤه، ومصدر أيضًا أو لغتان. وفي الاصطلاح: استعمال الماء على أعضاء مخصوصة (الوجه واليدين والرأس والرجلين) يرفع به ما يمنع الصلاة ونحوها.

وقد دل على مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع.

(أ) فأما الكتاب، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ {المائدة/6}

(ب) وأما السنة، فمن ذلك:

1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:”لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ. ) البخاري و مسلم).

2- وعن أبن عمر قال: إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: “لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول”. (مسلم).

3- وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إنا أمرتُ بالضوء إذا قمت إلى الصلاة”. (صحيح الترمذي و ابو داود و النسائي).

4- وعن أبي سعيد أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: “مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم. (حسن لغيره الترمذي وابو داود وابن ماجة).

(ج) وأما الإجماع، فقد اتفق علماء الأمة على ان الصلاة لا تجزئ إلا بطهارة إذا وجد السبيل إليها.

من فضائل الوضوء:

(1) أنه يعتبر نصف الإيمان:

كما في حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: الطهور شطر الإيمان …”. (مسلم)

(ب) أنه يكفر صغائر الذنوب:

1- فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: “إذا توضأ العبد المسل- أو المؤمن- فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها مع قطر الماء- أو مع آخر قطر الماء -، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء- أو مع آخر قطر الماء- فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء- أو مع آخر قطر الماء- حتى يخرج نقيًا من الذنوب. (مسلم)

2- وعن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: “من توضأ هكذا غفر له ما تقدمَّ من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة”.(مسلم)

ويتأكد هذا الفضل والثواب لمن صلي عقب هذا الوضوء فريضة أو نافلة:

3- ففي حديث عثمان – في صفة وضوء النبي صلي الله عليه وسلم – قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :” من توضأ مثل وضوئي هذا ثم قام فصلّى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غُفر له ما تقدم من ذنبه. (البخاري ومسلم)

(ج) أنه يرفع درجات العبد:

فعن أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: “ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟” قالوا: بلي يا رسول الله! قال:”إسباغ الوضوء على المكارة، وكثرة الخطأ إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط”. (مسلم)

(ر) أنه سبيل إلى الجنة:

1- فعن أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه ولم قال لبلا: “يا بلال، حدثني بأرجي عمل عملته في الإسلام، إني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة”. قال : “ما عملت عملاً أرجي عندي من أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي”. (البخاري ومسلم).

2- وعن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: “من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلي ركعتين، يقبل عليهما بقلبه ووجهه، وجبت له الجنة”.(مسلم).

(هـ) أنه علامة تميِّز هذه الأمة عند ورود الحوض:

فعن أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم أتي المقبرة فقال: “السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا – إن شاء الله- بكم عن قريب لاحقون، وددت لو أنا قد رأينا إخواننا”. قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: “أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد” فقالوا: كيف تعرف من لم يأت من أمتك يا رسول اله؟ قال: “أرأيت لو أن رجلاً له خيل غُرَّ محجَّلة بين ظّهْرىْ خيل دُهْم بهم ألا يعرف خيله؟” قالوا: يلي يا رسول الله، قال” “فإنهم يأتون غُرًّا محجَّلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذَادَنَّ رجال عن حوضي كما يُذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم فيقال: إنهم قد بدَّلوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا”. (مسلم)

والغزة: اللمعة البيضاء تكون في جبهة الفرس، والمراد هنا: النور الكائن في وجوه أمة محمد صلي الله عليه وسلم، والتحجيل: بياض يكون في ثلاثقة قوائم من قوائم الفرس، والمراد به أيضًا: النور.

(و) أنه نور للعبد يوم القيامة:

فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت خليلي صلي الله عليه وسلم يقول: “نبلغ الحلية من المؤمنين حيث يبلغ الوضوء”. (مسلم) والحلية هي: النور يوم القيامة.

(هـ) أنه حل لعقدة الشيطان:

فعن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: “يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّتْ عقدة، فإن توضأ انحلَّت عقدة، فإن صلي انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان”.(البخاري و مسلم).

صفة الوضوء الكامل (إجمالاً):

عن حمران مولى عثمان أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء فأفرع عل كفيه ثلاث مرار، فغسلها، ثم أدخل يمينه في الإناء، فمضمض واستنشق [استنثر] ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرار، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه)).(البخاري و مسلم).

ومن هذا الحديث وغيره – مما سيأتي تفصيله – يمكن أن نلخص صفة الوضوء فيما يأتي:1) ينوي الوضوء لرفع الحدث.

2)   يغسل كفيه ثلاث مرات.

3)   يأخذ الماء بيمينه فيجعله في فمه وأنفه – من غرفة واحدة – فيتمضمض ويستنشق.

4)   ثم يتسنثر بشماله، يفعل هذا ثلاث مرات.

5)   يغسل وجهه كله ثلثا مرات مع تخليل لحيته.

6)   يغسل يديه – اليمنى ثم اليسرى – إلى ما فوق المرفقين، مع تخليل أصابع اليدين.

7)   يمسح رأسه كله مدربًا ومقبلاً مرة واحدة.

8)   يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما.

9)   يغسل قدميه مع الكعبين – اليمنى ثم اليسرى – مع تخليل أصابع القدمين.

النية شرط لصحة الوضوء:

يشترط لصحة الوضوء: النية، وهي عزم القلب على فعل الوضوء امتثالاً الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما هو الشأن في سائر العبادات المحضة، قال: ((وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)).(البينة 5)

وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى…)) (البخاري ومسلم) وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وداود.

بينما ذهب أبو حنيفة إلى أن الوضوء لا يشترط له النية بناء على أنه عبادة مقولة وليست مقصودة لذاتها فأشبهت طهارة الخبث، وقول الجمهور هو الصواب، ((لأن النص قد دل على الثواب في كل وضوء، ولا ثواب لغير منوى إجماعًا، ولأنه عبادة لا تعلم إلا بالشرع فكانت النية شرطًا فيها)) و لأنه غير معقول المعنى.

النية محلها القلب:

قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: محل النية القلب دون اللسان باتفاق أئمة المسلمين في جميع العبادات: الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والعتق في الجهاد وغير ذلك… اهـ.

فلا يشرع الجهر بها ولا لتكريرها، بل من اعتاده ينبغي تأديه وتعزيزه بعد تعريفه لا سيما إذا آذى به وكرره، والجاهر بالنية مسئ، ولو اعتقده دينيًا وتعبد الله المنطق بها فقد ابتدع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا ينطقون بالنية مطلقًا، يحفظ عنهم ذلك، ولو كان مشروعًا ليبينه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ثم إنه هناك حاجة إلى التلفظ بالنية الله يعلم بها.

فوائد:

1-  قال شيخ الإسلام: ((… ولو تكلم بلسانه بخلاف ما نوى في قلبه كان الاعتبار بما نوى لا بما لفظ، ولو تكلم بلسانه ولم تحصل النية في قلبه لم يجز ذلك باتفاق أئمة المسلمين، فإن النية هي جنس القصد والعزم…)) أهـ.

2-  إذا اجتمعت أحداث توجب الوضوء (كما لو بال ثم تغوط ثم نام…) فإن نوى رفع الحدث عن واحد منها ارتفع عن الجميع – على الصحيح – لأن الحدث وصف واحد وإن تعددت أسبابه.

3-  الأولى أن ينوي المتوضئ رفع الحدث مطلقًا خروجًا من خلاف العلماء في إجزاء بعض صورة النية عن سائرها، وهذه الصور هي: أن ينوي رفع الحدث، أو ينوي الطهارة لما تجب له، أو أن ينوي الطهارة لما تسن له، أو أن ينوي تجديد الوضوء المسنون.

أركان الوضوء

أركان الوضوء هي ما يرتكب منه حقيقته، بحيث إذا تخلف ركن منها، بطل الوضوء، ولا يعتد به شرعًا، وهي:

1- غسل الوجه كله:

والوجه: ما تحصل به المواجهة، وحده: من منحنى الجبهة من الرأس (أو من منابت الشعر المعتاد إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا.

وغسل الوجه ركن من أركان الوضوء لا يصح بدون، لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قُمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم). وقد أثبت كل من روى صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم غسل الوجه، وأجمع على هذا أهل العلم.

فائدة: أعلم أن العلماء اختلفوا في حكم المضمضة والاستنشاق في الطهارتين (الوضوء والغسل) على أربعة أقوال.

   الأول: أنهما واجبان في الغسل دون الوضوء، وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحاب الرأي.

   الثاني: أنهما سنة في الغسل والوضوء، به قال مالك والشافعي والليث والأوازعي وجماعة و هو الصواب لان الاية غير مجملة و لم تحتوي عليهما و الامر في الاحاديث للإستحباب.

   الثالث: أنهما واجبان في كل من الغسل والوضوء، وبه قال عطاء ابن جريج وابن المبارك وإسحاق ورواية عن أحمد، وهو مشهور مذهب الحنابلة.

الرابع: أن الاستنشاق واجب فيهما، والمضمضة سنة فيهما، وبه قال: أحمد – في رواية – وأبا عبيد وأبو ثور وطائفة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر.

2- غسل اليدين إلى المرفقين:

       قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إذا قُمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق)).

وقد أجمع العلماء على وجوب غسل اليدين في الضوء.

واعلم أن ((إلى)) في قوله تعالى: ((أيديكم إلى المرافق)) بمعنى مع  كقوله ((ويزدكم قوة إلى قوتكم)).

أي: مع قوتكم، وقال المبرد: إذا كان الحد من الجنس المحدود دخل فيه.

وعلى هذا فيجب إدخال المرفقين في الغسل، وهذا مذهب الجمهور خلافًا لبعض المالكية.

ثم إن القاعدة: ((إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)) ولا يتم معرفة غسل اليد كاملة إلا إذا أدار الماء على المرفقين.

3- مسح الرأس:

قال الله تعالى: (وامسحوا برءوسكم) وقد أجمع العلماء على أنه مسح الرأس فرض، واختلفوا في القدر المجزئ منه على ثلاثة أقوال:

الأول: وجوب مسح الرأس كاملاً في حق الرجل والمرأة سواء: وهو مذهب مالك وظاهر مذهب أحمد وجماهير أصحابه وأبي عبيد وابن المنذر واختاره ابن تيمية واستدلوا بما يلي:

1-  قوله تعالى: (وامسحوا برءوسكم). والباء للإلصاق، فيكون التقدير: (وامسحوا رءوسكم) كما أنه يمسح الوجه للتيمم، لأنهما في التنزيل بلفظ واحد، قال تعالى: (فامسحوا بوجهوكم) أي: جميعها.

2-  أن هذا الأمر فسرته السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما توضأ مسح رأسه كله، ومن ذلك: حديث عبد الله بن زيد قال: ((أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر، فتوضأ فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه مرتين إلى المرفقين، ومسح برأسه فأقبل به وأدبر، وغسل رجليه)) وفي لفظ ((ومسح رأسه كله)).(البخاري و مسلم)

3-  حديث المغيرة بن شعبة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح على خفيه، ومقدم رأسه وعلى عمامته)) (مسلم) فلو أجزأ مسح مقدم الرأس لما مسح على العمامة فدل على وجوب الاستيعاب.

الثاني: يجزئ مسح بعض الرأس: وهو مذهب أبي حنفية والشافعي، واختلفا في القدر المجزئ فقيل ثلاث شعرات وقيل ربع الرأس وقيل النصف!! وحجتهم:

1-     أن الباء في قوله تعالى: (وامسحوا برءوسكم) للتبعيض وليست للإلصاق.

2-     ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسحه على الناصية (مقدم الرأس. و هو الصواب

الثالث: وجوب مسح الرأس كله للرجل دون المرأة: وهو رواية عن أحمد أنه قال: أرجو أن تكون المرأة في مسح الرأس أسهل، كانت عائشة رضي الله عنها تمسح مقدم رأسها قال ابن قدامة: ((وأحمد من أهل الحديث، ولا يستدل بحادثة عين إلا إذا ثبتت عنده إن شاء الله)).

فائدة: إذا كان الرأس ملبدًا بحناء ونحوها جاز المسح عليه: لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في إحرامه ملبدًا رأسه فلا يتكلف نقضه لأجل الوضوء، فإن ما وضع على الرأس من ذلك تابع له.

4- مسح الأذنين:

يجب مسح الأذنين مع الرأس، لأنهما منه، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الأذنان من الرأس)) والحديث ضعيف مرفوعًا عل الراجح، لكنه ثابت عن جمع من السلف منهم ابن عمر.

ويشهد لذلك الأحاديث التي فيها ((أن النبي صل الله عليه وسلم مسح رأسه وأذنيه مرة واحدة)). وهي كثيرة عن علي ابن عباس والربيع وعثمان، قال الصنعاني: ((كلهم متفقون على أن مسحهما مع الرأس مرة واحدة، أي: بماء واحد، كما هو ظاهر لفظة ((مرة)) إذ لو كان يؤخذ للأذنين ماء جديد ما صدق أنه ((مسح على رأسه وأذنيه مرة واحدة)) وإن احتمل أن المراد أنه لم يكرر مسحهما وأنه أخذ لهما ماء جديدًا فهو احتمال بعيد)) اهـ.

قلت: وإن أخذ لأذنيه ماء جديدًا فلا بأس كذلك، لثبوته عن ابن عمر.

تنبيه: لا يشرع مسح الرقبة في الوضوء، لأنه لم يصح فيه شئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

– غسيل الرجلين مع الكعبين:

وغسل الرجلين واجب عند جماهير أهل السنة، لقوله تعالى:( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ)، بنصب “أرجلكم” عطفاً علي المغسولات.

وكل من روى صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم أثبت غسل الرجلين إلي الكعبين، ومن ذلك حديث عثمان الذي فيه: “…. ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلي الكعبين…” (البخاري ومسلم): والكعبان داخلان في الغسل، لأن الحد إذا كان من جنس المحدود دخل فيه – كما تقدم – ويدل علي هذا حديث ابن عمرو رضي الله عنه قال: تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة فأدركنا وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح علي أرجلنا، فنادي بأعلى صوته: “ويل للأعقاب من النار” مرتين أو ثلاثاً (البخاري ومسلم).

وأما ما ورد من مسحه صلى الله عليه وسلم في وضوئه فمحمول علي مسح الخفين وهو رخصة كما سيأتي، وقد خالف في هذه المسألة الرافضة وأكثر الشيعة فقالوا بوجوب مسح القدمين دون غسلهما، والصحيح المعمول به الأول، قال عبد الرحمن بن أبي ليلي: “أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين”.

7- الترتيب:

وهو تطهير أعضاء الوضوء عضواً عضواً بالترتيب الذي أمر الله به في الآية الكريمة فيغسل الوجه ثم اليدين ثم يمسح الرأس ثم يغسل القدمين، والترتيب واجب في أصح قولي العلماء، وهو مذهب الشافعية والحنابلة وأبي ثور وأبي عبيد والظاهرية.

واستدلوا علي الوجوب بما يلي:

1-  أن الله تعالى قد ذكر في الآية فرائض الوضوء مرتبة مع فصل الرجلين عن اليدين – وفرضهما الغسل – بالرأس الذي فرضه المسح، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة وهي هنا إيجاب الترتيب.

2-    أن كل من حكي وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاه مرتباً، وفعله مفسر لكتاب الله تعالى.

3-  لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتباً ثم قال: “هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به”. لكنه حديث ضعيف.

وقد ذهب مالك والثوري وأصحاب الرأي إلي أن الترتيب مستحب وليس بواجب، وحجتهم:

1-    أن العطف في الآية لا يقتضي الترتيب، وفيما تقدم رد علي هذا.

2- ما روى عن علي وابن مسعود أنهما قالا: “ما أبالي بأي أعضائي بدأت”. ويجاب عن هذا بما قاله الإمام أحمد، كما في “مسائل ابنه عبد الله” قال: “إنما يعني: اليسرى قبل اليمنى، ولا بأس أن يبدأ بيساره قبل يمينه، لأن مخرجها من الكتاب واحد، قال تعالى:( فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ). فلا بأس أن يبدأ باليسار قبل اليمين” أ.هـ.

وإن كان الأولى البدء باليمين أتباعاً للسنة والله أعلم.

و اختلفوا في الموالاة: وهي المتابعة بين أعضاء الوضوء في الغسل بحيث لا يجف العضو قبل غسل ما يليه في الزمان المعتدل.

وقد ذهب الشافعي في قوله القديم، وأحمد في المشهور، إلي وجوب الموالاة، وكذلك مالك إلا أنه فرق بين من تعمد التفريق وبين المعذور وهو الذي اختاره شيخ الإسلام.

واستدلوا  علي الوجوب بحديث عمر بن الخطاب أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدميه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “أرجع فأحسن وضوءك” فرجع ثم صلى.

وفي رواية عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: “أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي في ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة”. (ولكن يظهر ان الحديث ضعيف لتدليس بقية و هو مدلس تدليس تسوية).

وذهب أبو حنيفة والشافعي في الجديد إلي أن الموالاة ليست واجبة وهو رواية عن أحمد وهو مذهب ابن حزم، قالوا:

1-    لأن الله تعالى أوجب غسل الأعضاء، فمن أتى بغسلها فقد أتى بالذي عليه، فرقها أو أتى بها نسقاً متتابعاً.

2-  ولما رواه نافع “أن ابن عمر توضأ في السوق فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه ثم دعي إلي جنازة فدخل المسجد ثم مسح علي خفيه وصلى”.(صحيح (مالك والشافعي والبيهقي)

3-    ضعفوا الحديث الذي فيه الأمر بإعادة الوضوء والصلاة.

4-  أولوا قوله صلى الله عليه وسلم: “أرجع فأحسن وضوءك” بأن المراد الإتمام بغسل ما لم يصبه الماء من القدم.

5-  و الفصل في النزاع – مما تقدم – حديث خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه الأمر بإعادة الوضوء والصلاة، فمن صححه قال بالوجوب، وباقي الأدلة محتملة ولكن يظهر و الله اعلم ان الموالة ليس فرضا و الاحوط الالتزام بها للخروج من الخلاف.

سنن الوضوء:

1- السواك: وقد تقدم استحبابه في “سنن الفطرة”.

2- التسمية في أوله: التسمية في ذاتها أمر حسن مشروع في الجملة، وقد ورد في التسمية عند الوضوء أحاديث ضعيفة – وإن صححها بعض العلماء – ومن ذلك حديث “ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه” و له شواهد كثيرة يرتقي بها لمرتبة الحسن . وقال ابن حجر : (الظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث به قوة تدل على أن للحديث أصلاً

وثمة أحاديث أخرى ضعيفة جداً لا تصلح للاحتجاج، ولذا قال الإمام أحمد: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد. أ.هـ.

ويؤيد عدم إيجاب التسمية أن من حكوا صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا التسمية، وهذا مذهب الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وهو رواية عن أحمد (الرواية الاخرى أنها فرض ) و و هناك رواية عن الامام مالك رحمه الله بكراهتها عند الوضوء. و الظاهر ان التسمية مستحبة عند الوضوء كما ذهب الجمهور.

3- غسل الكفين في أوله: لما في حديث عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: “… فأفرغ علي كفيه ثلاث مرار فغسلها…”.(البخاري ومسلم)

4- المضمضة والاستنشاق من كف واحدة ثلاثاً: لما في حديث عبد الله بن زيد في تعليمه وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: “أنه تمضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثاً”. (مسلم)

5- المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم: لحديث لقيط بن صبره مرفوعاً: “وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً”. (الخمسة الا الترمذي)   

6- تقديم اليمنى علي اليسرى: ففي حديث ابن عباس في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: “…. ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه، ثم أخذ غرفة من ماء فرش علي رجله اليمنى، حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله يعنى اليسرى…”. (البخاري)

وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: “كان يحب التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله”. (البخاري و مسلم)

7- غسل الأعضاء ثلاثاً: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه “توضأ مرة مرة” (البخاري)، وأنه “توضأ مرتين” (البخاري) وأكمل الوضوء وأتمه أن تغسل الأعضاء ثلاثاً، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديثي عثمان وعبد الله بن زيد، وقد تقدما.

تنبيهان:

(أ) مسح الرأس يكون مرة واحدة: فلا يتناوله التثنية والتثليث التي وردت مجملة في أحاديث صفة وضوئه صلى اله عليه وسلم، وأما الروايات التي فيها تثليث مسح الرأس فلا يصح منها شيء، وأما الروايات التي فيها أنه مسح مرتين فهي تأويل لقوله “فأقبل بهما وأدبر” – كما قال ابن عبد البر – ولا يقال في رد اليدين علي الرأس في مسحه أنه تكرار لأن التكرار إنما يكون باستئناف أخذ الماء، ثم إن استحباب التكرار مقصور علي المغسول دون الممسوح.

قال الحافظ في الفتح (1/298): “فإن رواية سعيد بن منصور فيها التصريح بأنه مسح رأسه مره واحدة، فدل علي أن الزيادة في مسح الرأس علي المرة غير مستحب، ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح – إن صحت- علي إرادة الاستيعاب بالمسح، لا أنها مسحات مستقلة لجميع الرأس جمعاً بين الأدلة” أ.هـ.  

قلت: وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد – في الصحيح عنه – خلافاً للشافعي – رحمهم الله -.

(ب) يحرم الزيادة علي الثلاث لمن أسبغ:

الثلاث في أعضاء الوضوء أكمل الوضوء وأتمه، ويحرم و قيل يكره الزيادة عليها، لحديث: “فمن زاد علي هذا فقد أساء وتعدي وظلم”  صحيح (احمد و النسائي ) ومحل هذا ما لم تكن هذه الزيادة لتمام نقصان، وأما إن أسبغ وضوءه بالثلاث أو بما دونها فيحرم الزيادة علي الثلاث.

8- دلك الأعضاء: لحديث عبد الله بن زيد قال: “رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ فجعل يدلك ذراعيه”( صحيح )(ابن حبان و البيهقي).

9- تخليل أصابع اليدين والرجلين: لقوله صلى الله عليه وسلم: “أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً” صحيح (احمد و غيره).

11- الاقتصاد في استعمال الماء: لحديث أنس قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع إلي خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد” (البخاري و مسلم)

12- الدعاء بعد الوضوء: 

عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ ثم يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء”. (مسلم)

وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رق ثم طبع بطابع فلا يكسر إلي يوم القيامة”.  (النسائي والحاكم وله شواهد)

13- صلاة ركعتين بعد الوضوء:

لحديث عثمان قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو ضوئي هذا وقال: “من توضأ نحو ضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه”.(البخاري ومسلم)

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة أصبح: “يا بلال، أخبرني بأرجي عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة ؟” قال: ما عملت عملاً أرجي عندي أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي. (البخاري ومسلم)

يجوز تنشيف الأعضاء بعد الوضوء: لعدم ورود المانع من ذلك، والأصل الإباحة، فإن قيل: قد ثبت أن ميمونة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم – بعد اغتساله – بمنديل فلم ينفض بها وانطلق وهو ينفض يديه” (البخاري).

فنقول: هذه واقعة عين تحتمل عدة أمور: فإنه إما أن يكون رد المنديل لسبب فيه كعدم نظافته أو أنه يخشي أن يبله بالماء أو غير ذلك، ثم إن إتيانها رضي الله عنها بالمنديل فيه إشعار أن التنشيف كمان من عادته، ويتأيد الجواز بما ورد أنه صلى الله وعليه وسلم: توضأ فقلب جبة صوف كانت عليه فمسح بها وجهه (حسن عند ابن ماجة) .و قال الترمذي: “وقد رخص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في التمندل بعد الوضوء، ومن كرهه إنما كرهه من قبل أنه قيل: إن الوضوء يوزن” أ.هـ.

لا يصح الوضوء مع وضع “المانيكير” علي الأظفار:

لأنه يمنع نفاذ الماء إلي محل الفرض، أما اللون وحده كالخضاب بالحناء ونحوه فلا يؤثر، وإن كان الأفضل إزالته – كذلك – قبل الوضوء والصلاة، لقول ابن عباس: “نساؤنا يختضبن أحسن خضاب: يختصبن بعد العشاء، وينزعن قبل الفجر”.(ابن ابي شيبة).

وعن إبراهيم النخعي – في المرأة تخضب يديها علي غير وضوء ثم تحضرها الصلاة – قال: “تنزع ما على يديها إذا أرادت أن تصلى”(البيهقي).

نواقض الوضوء

وهي ما يبطل بها الوضوء، وهي:

1- خروج البول أو الغائط أو الريح من السبيلين:

فأما البول والغائط فلقوله تعالى:( أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ) والغائط كناية عن قضاء الحاجة من بول أو غائط، وقد أجمع العلماء علي انتقاض الوضوء بخروجهما من السبيلين “القبل والدبر”.

وأما خروجهما من غير القبل والدبر – كالخروج من جرح في المثانة أو البطن – فتنازع فيه العلماء، فمن اعتبر الخارج وحده – كأبي حنيفة والثوري وأحمد وابن حزم – قالوا: ينقض الوضوء بكل نجاسة تسيل من الجسد من أي موضع خرجت.

ومن اعتبر المخرجين – كالشافعي – قال: ينقض إذا خرج منهما ولم يكن نجساً كالحصاة ونحوها.

وأما الريح فإن خرجت من الدبر – بصوت أو بدونه – فنقاضة للوضوء كذلك اجتماعاً لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ”

2- خروج المنى والودي والمّذي:

خروج المنى ناقض إجماعاً ويوجب الغسل – كما سيأتي – وكل ما يوجب الغسل يبطل الوضوء إجماعاً، والذي ناقض لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت رجلاً مذاء، فأمرت رجلاً أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته فأسال فقال: “توضأ واغسل ذكرك” (البخاري ومسلم) ونحوه الودى، فالواجب فيهما أن يغسل فرجه ويتوضأ، وقال ابن عباس: “المنى والودي والمذي: أما المنى فهو الذي منه الغسل، وأما الودي والمذى فقال: اغسل ذكركم – أو مذاكيرك – وتوضأ وضوءك للصلاة”. (البيهقي)

3- النوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك:

اختلفت الآثار الواردة في الوضوء من النوم وتعارضت ظواهرها، فهناك أحاديث يدل ظاهرها علي أنه ليس في النوم وضوء أصلاً، وأخرى يوجب ظاهرها أن النوم حدث، فذهب العلماء فيها مذهبين: مذهب الجمع ومذهب الترجيح، فمن ذهب مذهب الترجيح إما أسقط الوضوء من النوم مطلقاً وقال: ليس بحدث، وإما أوجبه مطلقاً وقال: النوم حدث. ومن ذهب مذهب الجمع قال: النوم ليس حدثاً وإنما هو مظنة للحدث، وهؤلاء اختلفوا في صفة النوم الذي يجب منه الوضوء، فهذه الثلاثة مسالك للعملاء، تفرع منها ثمانية أقوال وهي:

أولاً: النوم لا ينقض الوضوء مطلقاً: وهو محكي عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وأبو موسى الأشعري، وهو قول سعيد بن جبير ومكحول وعبيدة السلماني والأوزاعي وغيرهم، وحجتهم:

1-  حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة، والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلاً، فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابه، ثم جاء فصلي بهم”. (البخاري و مسلم)

2-  وعن قتادة قال: سمعت أنساً يقول: “كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون، ثم يصلون ولا يتوضئون”: قال: قلت: سمعته من إنس؟. قال:  إي والله. (مسلم)

وفي لفظ “ينتظرون الصلاة فينعسون حتى تخفق رؤوسهم، ثم يقومون إلي الصلاة”.

3-  حديث ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة “فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم فقمت إلى جنبه الأيسر فأخذ بيدي فجعلني من شقه الأيمن فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني قال: فصلي إحدى عشرة ركعة”. (البخاري و مسلم)

4- حديث ابن عباس في مبيته عند ميمونة وفيه: “… ثم نام صلي الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه أو خطيطه ثم خرج إلى الصلاة” وفي لفظ “ثم قام فصلي ولم يتوضأ” (البخاري ومسلم)

الثاني: النوم ينقض الوضوء مطلقًا:

لا فرق بين قليلة وكثيرة، وهو مذهب أبي هريرة وأبي رافع وعروة بن الزبير وعطاء والحسن البصري، وابن المسبب والزهري والمزني وابن المنذر وابن حزم، وهو اختيار الألباني:

1-  لحديث صفوان بن عسال قال: “كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا، ولا تنزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم إلا من جنابة” (حسن النسائي)، قالوا: فعم صلي الله عليه وسلم كل نوم ولم يخص قليلة من كثيرة، ولا حالاً من حال، وسوى بينه وبين الغائط والبول.

2-  ولما روي عن على بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم: العينان وكاء السه، فمن نام فليتوضأ”، وهو ضعيف.

3-  قالوا: أهل العلم مجمعون على إيجاب الوضوء على من زال عقله بجنون أو أغمي عليه على أي حال كان ذلك منه، فكذلك النائم.

 الثالث : كثير النوم ينقض بكل حال، وقليله لا ينقض:

وهذا قول مالك ورواية نوم الصحابة على النوم القليل، واستدلوا بحديث أبي هريرة: “من استحق النوم فقد وجب عليه الوضوء”. (ابن ابي شيبة وهو صحيح موقوف)

الرابع : لا ينقض النوم إلا إذا نام مضطجعًا او مستكنًا

وأما من نام على هيئة من هيئات الصلاة كالراكع والساجد والقائم والقاعد فلا ينتقض وضوؤه سواء كان في الصلاة أو لم يكن. وهو قول حماد والثوري وأبي حنيفة وأصحابه ودواد وقول للشافعي، وحجتهم:

1-  ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أ، رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: “ليس على من نام جالسًا وضوء حتى يضع جنبه” وهو ضعيف لا يصح.

2-  حديث أنس عن النبي صلي الله عليه وسلم “إذا نام العبد في سجوده باهي الله تعالي به الملائكة يقول: أنظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي”. وقاسوا سائر هيئات المصلي على السجود، قلت: وهو ضعيف الإسناد، قال البيهقي: ثم ليس فيه أنه لا يخرج من صلاته، والقصد منه – إن صح الثناء على العبد المواظب على الصلاة حى يغلبه النوم.. أهـ.

الخامس: لا ينقض إلا نوم الراكع والساجد:

وعزاه النووي إلى أحمد، ولعل وجهه أن هيئة الركوع والسجود مظنة للانتقاض.

السادس: لا ينقض إلا نوم الساجد: وهو مروي عن أحمد كذلك.

السابع: لا ينقض النوم في الصلاة بحال وينقض خارجها: وهو مروي عن أبي حنيفة للحديث الذي تقدم في القول الرابع.

الثامن: لا ينقض إذا نام جالسًا ممكنًا مقعدته من الأرض سواء في الصلاة أو خارجها، قل أو كثر:

وهو مذهب الشافعي، لأن النوم عنده ليس حدثًا في نفسه وأنما هو مظنة الحدث، قال الشافعي: “لأن النائم جالسًا بكل للأرض فلا يكاد يخرج منه شيء إلا انتبه له” أ.هـ. فاختاره الشوكاني، قلت: والقائلون بهذا القول حملوا حديث أنس في نوم الصحابة على أنهم كانوا جلوسًا وقد ردَّه الحافظ في “الفتح” (1/251) بقوله: “لكن في مسند البزار بإسناد صحيح في هذا الحديث: فيضعون جنوبهم، فمنهم من ينام، ثم يقومون إلى الصلاة”. أ.هـ.

الراجح:

أن النوم المستغرق الذي ليس معه إدراك، بحيث لا يشعر صاحبه بالأصوات، أو بسقوط شيء من يديه، أو سيلان ريقه ونحو ذلك، فإنه ناقض للوضوء، لأنه مظنه للحدث، سواء كان قائمًا أو قاعدًا أو مضطجعًا أو راكعًا أو ساجدًا، لا فرق بين شيء من هذا، فإن كان أصحاب القول الأول يعنون بالنوم هذا النوع فنحن معهم، وإلا فالنوم اليسير وهو النعاس الذي يشعر الإنسان بما تقدم، لا ينقض على أي حال كان، الحديث نوم الصحابة حتى تخفق رؤوسهم وحديث ابن عباس في صلاته مع النبي صلي الله عليه وسلم، وبهذا تجتمع الأدلة كلها الواردة في اباب، ولله الحمد والمنة.

فائدة:

لما كان النوم مظنة الحدث الموجب للوضوء، وكل انتقاضة إلى المتوضئ بحسب حالته في النوم، وما يغلب على ظنه، فإذا شك: هل نومه مما ينقض أو ليس ينقض؟ فالأظهر أن لا يحكم بنقض الوضوء، لأن الطهارة ثابتة بيقين، فلا تزول بالشك وهذا اختيار شيخ الإسلام في “الفتاوى”.

4- زوال العقل، بالسكر أو الإغماء أو الجنون:

وهذا ناقض إجماعًا، والذهول عند هذه الأمور أبلغ من النوم.

ملحوظة مَسُّ الفَرْج بلا حائل سواء بشهوة أو بدونها لا ينقض الوضوء على الراجح:

لأهل العلم في الوضوء من مس الذكر أربعة أقول، قولان بالترجيح وقولان بالجمع.:

الأول: مس الذكر لا ينقض الوضوء مطلقًا:

وهو مذهب أبي حنيفة إحدى الورايات عن مالك، وهو مروي عن طائفة من الصحابة منهم عبدالله بن مسعود و عمار بن ياسر، واستدلوا بما يلي:

(أ) حديث طلق بن على أن رجلاً سأل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره بعد أن يتوضأ، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: “هل هو إلا بضعة منك” وفي لفظ أن الرجل السائل قال: “بينا أنا في الصلاة إذ ذهبت أحك فخذي، فأصابت يدي ذكري” فقال صلي الله عليه وسلم: “إنما هو منك”. (ابو داود و النسائي و الترمذي بسند حسن).

(ب) قالوا: لا خلاف في أن الذكر إذا مس الفخذ لا يوجب وضوءًا، ولا فرق بين اليد والفخذ، وتكلموا في حديث بسرة- الآتي- الذي فيه الأمر بالوضوء من مس الذكر.

الثاني: مس الذكر ينقض الوضوء مطلقًا:

وهو مذهب مالك- في المشهور عنه- والشافعي وأحمد وابن حزم وهو مروي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وحجتهم:

(أ) حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: “من مس ذكره فليتوضأ”.

(ب) حديث أم حبيبة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: “من مس فرجه فليتوضأ”.

وقد ورد نحوهما من حديث أبي هريرة وأروي بنت أنيس وعائشة وجابر وزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو.

قالوا: وحديث بسرة يرجح على حديث طلق، وذلك لأمور منها:

1-  أن حديث طلق معلول وقد أعله أبو زرعة وأبو حاتم، وبالغ النووي في المجموع (2/42) فحكي اتفاق الحفاظ على تضعيفة!

و اجيب عنه بان الحديث صحيح لا علة فيه و ان كثير من الائمة صححوه و قد اجاب الحافظ ابن عبدالهادي عن العلة التي في الحديث و هي تضعيف قيس بن طلق فقال وفيه نظر من وجوه أحدها أن ما ذكره عن يحيى بن معين من أنه تكلم في قيس في صحته عنه نظر ورواية عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى في توثيق قيس أصح ولو ثبت ذلك عنه لم يكن ذلك قادحا قيس لأنه لم يذكر سبب الجرح وقد خالفه في ذلك غير واحد من الأئمة.

1  أنه لو صح لكان حديث أبي هريرة – الذي في معني حديث بسرة- مقدمًا عليه لأن طلقًا قدم المدينة وهم يبنون المسجد، وأبو هريرة أسلم عام خبير بعد ذلك بست سنين فيكون ناسخًا لحديث طلق و اجيب أن دعوى النسخ بتقدم إسلام طلق وتأخر إسلام بسرة فيها نظر، لأن هذا ليس دليلاً على النسخ عند المحققين من أئمة الأصول، لأنه ربما يكون المتقدم حدث به عن غيره ثم إنه لا يصار إلى النسخ إلا بعد تعذر الجمع لاسيما ولا يصح النسخ.

2-  أن حديث طلق مبني على الأصل، وحدث بسرة ناقل، والناقل مقدم لأن أحكام الشارع ناقلة عما كانوا عليه واجيب عن هذا بأن الجمع ممكن و هو اولى.

3-  أن رواة النقض بالمس أكثر وأحاديثه أشهر و اجيب بأن الكثرة و الشهرة لا تكفي كسبب لرد الحديث لأن الجمع ممكن.

4-  أن حديث طلق محمول على أنه حكَّ فخذه فأصاب ذكره وراء الثوب كما تدل عليه رواية أنه كان في الصلاة و اجيب بأن الرواية لا تساعد على هذا الفهم و هناك رواية فيها لفظة أفضى و هي صريحة في ان المس بدون حائل.

الثالث: ينقض إذا كان مس الذكر بشهوة ولا ينقض إذا مس بدونها:

رواية عن مالك، واختاره العلامة الألباني، والقائلون بهذا حملوا حديث بسرة على ما إذا كان لشهوة وحديث طلق على ما إذا كان لغير شهوة، قالوا: دل عليه قوله: “إنما هو بضعة منك” فإذا مس ذكره بغير شهوة صار كأنما من سائر أعضائه.

الرابع: الوضوء من مس الذكر مستحب مطلقًا وليس بواجب:

أحمد في إحدى الروايتين وشيخ الإسلام ابن تيمية، وكأنه الذي مال إليه العلامة ابن عثيمين- رحمنهما الله تعالي- إلا أنه استحبه إذا مس بغيرة شهوة، وقوى إيجابه إذا كان لشهوة احتياطًا، فحملوا حديث بسرة على الاستحباب وحديث طلق على ان السؤال فيه كان عن الوجوب.

ويستدل للقولين الأخيرين القائمين على مسلك الجمع بما يلي:

1 أن دعوى النسخ بتقدم إسلام طلق وتأخر إسلام بسرة فيها نظر، لأن هذا ليس دليلاً على النسخ عند المحققين من أئمة الأصول، لأنه ربما يكون المتقدم حدث به عن غيره.

2  أن في حديث طلق علة لا يمكن أن نزول وهي كون الذكر بضعة منه وإذا ربط الحكم بعلة لا يمكن أن تزول فلا يزول الحكم، فلا يمكن النسخ.

3       ثم إنه لا يصار إلى النسخ إلا بعد تعذر الجمع لاسيما ولا يصح النسخ كما تقدم.

فوائد تتعلق بما سبق:

– مس فَرْج الغير:

إذا مسَّ الرجل فرج امرأته أو مست ذكره فلا دليل على انتقاض وضوء أحدهما إلا إذا أمذي أو أمني فينتقض لذلك لا لا لمجرد المس، وقال مالك والشافعي يجب الوضوء، وهذا مبني على مذهبهما في نقض الوضوء بلمس المرأة، وسيأتي أن الراجح خلافه.

وكذلك مس المرأة أو الرجل لذكر الصبي ونحوه لا ينقض الوضوء وقد وافق في هذا مالك وهو قول الزهر والأوزاعي.

– المس من فوق الثوب لا ينقض:

لأنه لا يسمي مسًا كما هو واضح ويؤيد حديث أبي هريرة مرفوعًا: “إذا أقضي أحدكم بيده إلى ذكره لي بينهما شيء فليتوضًا.

5- من النواقص أكل لحم الإبل:

يجب على من أكل لحوم الإبل نيئة أو مطبوخة أ, مشوبة أن يتوضأ، لحديث جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله صلي الله عليه وسلم : أنتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال “إن شئت توضأ، وإن شئت فلا تتوضأ” قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: “نعم، توضأ من لحوم الإبل”. (مسلم)

وعن البراء بن عازب أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: “توضأوا من لحوم الإبل، ولا توضأوا من لحوم الغنم”.(ابوداود و الترمذي و ابن ماجة صحيح)

وهذا مذهب أحمد وإسحاق وأبي خيثمة وابن المنذر وابن حزم وهو أحد قولى الشافعي واختاره شيخ الإسلام وهو مروي عن ابن عمر وجابر بن سمرة، بينما ذهب جمهور العلماء: أبو حنيفة ومالك والشافعي والثوري وطائفة من السلف إلى أنه لا يجب الوضوء من أكل لحوم الإبل وإنما يستحب، لحديث جابر قال: “كان آخر الأمرين من رسول الله صلي الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار” صحيح ابوداود و الترمذي ) قالوا: فقوله: “مما مست النار” تشمل لحوم الإبل كذلك وقد ثبت نسخة.

ويجاب عن هذا بأمرين: الأول: أن حديث جابر عام، وما ورد في نقض الوضوء بلحم الإبل خاص، والعام يحمل على الخاص، فيخرج منه ما قام الدليل على تخصيصه، ولا يقال بالنسخ لإمكان الجمع.

الثاني: أن الأمر الوارد بالوضوء من لحوم الإبل إنما هو حكم فيها خاصة سواء مستها النار أو لم تمسها، فليس مس النار إياها- إن طبخت- بموجب للوضوء فحكمها خارج عن الأخبار الواردة بالوضوء مما مست النار وبنسخ الوضوء منه.

وقال بعضهم: المراد بالوضوء في الحديث: (غسل اليد)!! وهذا باطل، فإن الوضوء لم يرد في كلام النبي صلي اله عليه وسلم إلا وضوء الصلاة، ثم أنه في رواية مسلم لحديث جابر بن سمرة قرن الأمر بالوضوء من لحم الإبل بالصلاة في مباركها مفرقًا بين ذلك وبين الصلاة في مرابض الغنم، وهذا مما يفهم منه وضوء الصلاة قطعًا.

فالراجح: أنه يجب الوضوء من أكل لحم الإبل على كل حال، ولذا قال النووي في “شرح مسلم” : وهذا المذهب أقوى دليلاً وإن كان الجمهور على خلافه.. ا.هـ.

تنبيهان:

الأول: عزا النووي في “شرح مسلم” (1/328) القول بعدم الوضوء من لحوم الإبل إلى الخلفاء الراشدين الأربعة (!!) وهذه دعوى لا دليل عليها ولا يعرف السند إليهم بذلك، وقد نبه على خطأ هذه الدعوى ابن تيميه- رحمة الله – فقال: “وأما من نقل عن الخلفاء الراشدين أو جمهور الصحابة أنهم لم يكونوا يتوضأون من لحوم الإبل، فقد غلط عليهم، وإنما توهم ذلك لما نقل عنهم أنهم لم يكونوا يتوضأون مما مست النار…”.أ.هـ.

الثاني: قصة مشهورة لا أصل لها:

اشتهرت بين العوام قصة يرددونها إذا سمعوا بعض طلاب العلم بذكر وجوب الوضوء من لحم الإبل وهي: أن النبي صلي الله عليه وسلم كان في نفر من أصحابه فوجد ريحًا من أحدهم، فاستحيا ان يقوم من بين الناس، وكان قد أكل لحم جزور فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: “من أكل لحم جزور فليتوضأ” فقام جماعة كانوا أكلوا من لحمه، فتوضأوا !! وهذه القصة ضعيفة من جهة السند ومنكرة من جهة المتن.

6-    الردة عن الإسلام

لقوله تعالى:( لئن أشركت ليحبطن عملك [الزمر:65].

والله تعالى أعلم

شاركها

اترك تعليقاً