كيف حصد زوجان 200 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب ؟

مفهوم – الزوجان راشيل وجون يعملان فيما بات يعرف بالتدوين المرئي، وينشران مقاطع فيديو على موقع يوتيوب عن أوجه الحياة اليومية في اليابان لإشباع فضول جمهور كبير من المتابعين المهتمين بمعرفة المزيد عن هذا البلد الذي يشهد فيه قطاع السياحة نموا مطردا.

تستحق كل دولة في العالم أن تُفرد لها كتب ومقالات للكشف عن عاداتها وخصائص ثقافتها التي تميزها عن سائر دول العالم. ولكن هناك دولة واحدة أصبحت محل اهتمام متابعي موقع يوتيوب، وهي اليابان.

إذ حصد أحد مقاطع الفيديو لشابة ذات شعر أحمر تداعب عشرات الثعالب في “قرية الثعالب” باليابان، أكثر من ستة ملايين مشاهدة. كما حقق مقطع “إرشادات لجلوس القرفصاء على المراحيض اليابانية” ثلاثة ملايين مشاهدة، بينما حقق مقطع “آداب المائدة اليابانية الحديثة” نحو مليوني مشاهدة.

كل هذه المقاطع أنتجها الزوجان المدونان راشيل وجون يوشيزوكي بمدينة ناغويا، ونُشرت على قناتهما “راشيل أند جون” على يوتيوب.

وقد حصدت مقاطع الفيديو التي يسردون فيها تفاصيل الحياة اليومية في اليابان أكثر من 200 مليون مشاهدة.

إذ زاد الإقبال في اليابان على التدوين المرئي كوسيلة للتعبير عن الأفكار والآراء عن الثقافة اليابانية، وتحقق هذه التدوينات المرئية على موقع “يوتيوب” ملايين المشاهدات.

وينشر هؤلاء المدونون، وأكثرهم من المغتربين، مقاطع فيديو تتناول مختلف جوانب الحياة في اليابان، من جولة في المدرسة الثانوية إلى كيفية الإقامة في حجرة صغيرة في فندق يضم مقصورات للنوم، وحتى حال الأشخاص الذين ينحدرون من أصول مختلطة في اليابان.

وربما يرجع انتشار التدوين المرئي في اليابان إلى تزايد شعبية موقع يوتيوب بين اليابانيين أكثر من أي وقت مضى.

ويقول مارك ليفكويتز، رئيس قسم تنمية مواهب وطاقات الفنانين والمبدعين بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ بموقع يوتيوب: “خلال سنة واحدة من 2016 إلى 2017، تضاعف عدد ساعات المحتوى المرئي الذي يرفعه اليابانيون على قنوات اليوتيوب”.

وبعد أن بلغ عدد المشتركين في قناة راشيل وجون 1.8 مليون مشترك، أضحت مقاطع الفيديو التي ينتجها الزوجان عن اليابان وسيلة لكسب الرزق، وهو ما شجعهما على تدشين قنوات جديدة مثل “مطبخ جون”، وهي قناة تركز على وصفات الطهي، ووصل عدد المشتركين فيها إلى اثنين مليون مشترك.

لكن الزوجين رفضا الإفصاح عن الدخل الذي يحصلان عليه من شركة “يوتيوب”، ويقولان إنه يختلف باختلاف حجم المشاهدات وأسعار الإعلانات في مختلف الدول التي يعيش فيها متابعوهم، وهذا هو حال الكثير من نجوم اليوتيوب.

إلا أنهما يقولان إن التدوين المرئي فتح لهما آفاقا جديدة، إذ تلقيا عروضا للأداء الصوتي في ألعاب الفيديو، وطلبت شركات من راشيل أن تعرض أزياءها، هذا بالإضافة إلى التبرعات والعروض لرعاية البرنامج التي انهالت عليهما على منصة “باترون”، لدعم المبدعين ورعايتهم- إذ يعتمد الكثير من نجوم يوتيوب اعتمادا كاملا على الرعاية والتبرعات- وكل هذا بالطبع يدر عليهما ربحا.

لكن الزوجين في بداية حياتهما لم يدر بخلدهما أن ينالا هذه الشهرة من مقاطع الفيديو على الإنترنت. إذ التقت راشيل الأمريكية بزوجها جون، الياباني، في اليابان وأسسا قناتهما على موقع يوتيوب في عام 2012 ليعرضا عليها مقاطع الفيديو الخاصة بهما.

وسرعان ما لفتت مقاطع الفيديو على قناتهما الأنظار ولاقت إعجابا كبيرا. إذ لم يكن عدد المشتركين في القناة يتجاوز 12 مشتركا أو نحو ذلك، عندما نشرا مقطع فيديو “قائمة بالمحظورات التي يجب تفاديها في اليابان” في مطلع 2012، والذي حصد مئات الألاف من المشاهدات.

بيد أن الطريق إلى الشهرة في التدوين المرئي ليس مفروشا بالورود.

وتقول راشيل: “ظللنا نعمل سبعة أيام في الأسبوع دون أيام راحة طيلة سنتين أو ثلاثة. كنا نكرس كل وقتنا لتصوير مقاطع الفيديو وتحريرها والتفكير في موضوعات جديدة والتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتحضير للقاءات. لكن العمل أنهك قوانا، حتى صرت أصاب بإعياء كل أسبوعين. واضطررت كثيرا لأن أواصل الليل بالنهار لأنجز العمل قبل المواعيد الصارمة التي كنت أحددها لنفسي”.

إلا أن الإجهاد البدني والنفسي أصبح أمرا معتادا يشكو منه الكثير من نجوم اليوتيوب. لكن راشيل وجون استطاعا أن يتحملا المشاق ويحافظا على نجاحهما بسبب اهتمامهما الحقيقي بالموضوعات التي يتناولونها في تدويناتهما المرئية. ولهذا تفاعل معها على الفور المتابعون الذين يتلهفون لمعرفة المزيد من معلومات عن أوجه الحياة في اليابان.

تقول راشيل: “يتلقى جميع المدونين في اليابان تعليقات من المتابعين يقولون إن مقاطع الفيديو التي نشروها حملتهم على زيارة اليابان أو دراسة اللغة اليابانية، أو إنهم زاروا المدينة بعد مشاهدة مقطع فيديو عنها”.

فهل هذا يعني أنهم سفراء لبلادهم؟ يقول جون: “أنا لا أعد نفسي سفيرا. فنحن شرعنا في إنتاج مقاطع الفيديو لأن الفكرة راقت لنا من البداية”.

ويقول الزوجان إن آخر مقطع فيديو لهما بعنوان “50 معلومة عن اليابان”، استغرق إنتاجه ما يزيد على 250 ساعة.

وتناولا في هذا المقطع الذي لا تتجاوز مدته 11 دقيقة، موضوعات شتى، بداية من حرص اليابانيين على نصب حواجز معدنية مؤقتة على هيئة حيوانات جذابة في مواقع البناء، وحتى أسباب إقبال اليابانيين حتى الأن على شراء الأقراص المدمجة، وأسباب كراهيتهم لحبوب منع الحمل.

إذ عرضا جميع التساؤلات التي دارت في أذهانهما لسنوات وقد تثير فضول جمهور المتابعين الذين يمثلون 190 دولة ومنطقة حول العالم.

ويمثل المتابعون من الولايات المتحدة نحو 30 في المئة من إجمالي جمهور المتابعين تقريبا، والباقي من اليابان نفسها- أكثرهم يشاهدون مقاطع الفيديو لتعلم اللغة الإنجليزية، على حد قولهما- وتايوان وألمانيا والبرازيل وإسبانيا والسويد.

ولكن لماذا زاد عدد متابعي التدوين المرئي مؤخرا؟

لعل الاهتمام العالمي بالتعرف على أوجه الحياة في اليابان وزيادة أعداد الوافدين إلى اليابان من مختلف أنحاء العالم قد أسهما في زيادة تداول مقاطع الفيديو التي ينشرها هؤلاء المدونون. إذ يشهد قطاع السياحة في اليابان انتعاشا كبيرا، فقد ارتفع عدد السياح الوافدين إلى اليابان بنسبة 250 في المئة في الفترة ما بين عام 2012 وعام 2017.

وذكرت منظمة السياحة العالمية أن السياحة في اليابان تحقق نموا مطردا بمعدل يزيد عن 10 في المئة سنويا على مدار السنوات الست الأخيرة، واستقلبت اليابان خلال العام الماضي 28 مليون سائح، كان الكثير منهم من الصين.

وتتطلع الحكومة اليابانية إلى جذب 40 مليون زائر للدورة الأولومبية التي ستقام في طوكيو في عام 2020.

ويقول ليفكويتز إن الثقافة الشعبية اليابانية، وما تنطوي عليه من عادات وتقاليد ومجلات وأغان ذات شهرة واسعة، والشغف بالمطبخ الياباني لعبا دورا كبيرا في انتعاش قطاع السياحة ورواج مقاطع الفيديو التي ينشرها المدونون اليابانيون.

ويضيف: “الناس يريدون زيارة البلد للتعرف على الطعام والعادات والثقافة، وقد تُرجم ذلك إلى نمو هائل في معدل زيارات منصة يوتيوب.”

لكن زائر اليابان الذي يتوقع أن يصادف هواتف الأندرويد أو شباب يرتدون زي “البوكيمون” في كل شارع من شوارع اليابان، سيصاب بخيبة أمل.

لا شك أن كل دولة تحيط بها هالة من الأساطير والخرافات، ولكن يبدو أن الإعلام العالمي تفنن في رسم صورة لليابان مغايرة لصورتها الحقيقية، إذ دأب على التركيز على العناصر العجيبة وغير المعتادة في البلاد، مثل برامج المسابقات الغريبة، كتلك التي يتنافس فيها المتسابقان على إسقاط الصرصار في فم الأخر.

ولهذا تقول راشيل: “أعتقد أنه من الجيد أن يرى المشاهدون الواقع بعيون أشخاص يعيشون في البلاد، فيصفون تفاصيل الحياة اليومية في الشارع عن كثب. إذ يظن الكثيرون أن اليابان بلد مليء بالمهوسين بكل جديد، وبمجرد ما يصل إلى المطار، يكتشف أنها لا تختلف عن سائر البلاد”.

إلا أن الزوجين لم يناقشا في تدويناتهما المرئية الجوانب الإيجابية فقط في المجتمع الياباني، إذ تطرقا إلى أيضا الجوانب السلبية للحياة في اليابان، مثل قضية تلاعب جامعة طوكيو الطبية بنتائج امتحانات القبول للحد من عدد الفتيات في الجامعة.

ونشرت راشيل وجون مقطع فيديو عرضا فيه ردود فعل النساء اليابانيات على مواقع التواصل الاجتماعي، وسلطا الضوء على التمييز على أساس الجنس في بلد كان مترددا في تأييد حملة “أنا أيضا” ضد التحرش الجنسي.

ولكن أكثر ما يميز هذه القناة الفوارق الثقافية بين الزوجين، وعندما أجريت معهما حوارا عبر سكايب، دار بينهما نقاش كالمعتاد حول الاختلافات الثقافية.

إذ تعكس تدويناتهما المرئية ذلك النوع من التفاعل والصدام الثقافي الذي تتسم به العلاقات بين شريكين ينحدرا من خلفيتين ثقافيتين مختلفتين، فيسأل كل منهما الأخر عن أسباب التمسك بهذه العادات أو تلك وعن رأيه فيها. وهذا يثير نفس التساؤلات والشد والجذب بين المتابعين من مختلف أنحاء العالم.

وتقول راشيل: “نحن نحرص في كل مقطع فيديو على عرض وجهتي نظر مختلفتين، وأعتقد أن هذا يعد واحدا من أسباب نجاح قناتنا وتميزها عن القنوات الأخرى”.

شاركها

اترك تعليقاً