تأثير تعلم لغة جديدة على تحسين أداء الذاكرة والدماغ

مفهوم – تعلم لغة جديدة له فوائد كثيرة، فبجانب أنه يحسن من فرص العمل لديك، ويحسن من ثقافتك وقدراتك الإبداعية، لكن هناك جانب آخر ربما يعلمه الكثيرين، فبالإضافة إلى كون تعلّم اللغات، مهارةً عمليةً وإضافةً تحصيليةً للمتَعَلم، فهو وسيلة علمية لتحسين أداء الذاكرة والتطوير من فعاليتها، وقد أجريت الكثير من الدراسات العلمية في هذا الصدد؛ لتثبت العلاقة الوثيقة التي تجمع بين 4 عناصر أساسية: التعلّم، الذاكرة، الدماغ واللغات.

تماشيًا مع هذه الفكرة، فقد طرح موقع MosaLingua مقالًا، يوضح فيه 4 دراسات علمية استطاعت الإجابة على هذه الإشكالية، وأوضحت العلاقة بين الأربعة عناصر سالفة الذكر.

من خلال هذا الموضوع، سنسلط الضوء وإياكم على هذه الدراسات؛ لنفهم من خلالها العلاقة العلمية التي تجمع بينها، ولندرك الخلفية الحقيقية التي تتشكل وتتبلور خلال حصص تعلّم اللغات.

تعلّم اللغة والأثر الذاكري

إنّ تعلّم لغة أجنبية (أو أي مادة ما) يمر للذاكرة من خلال ما يسمى علميًّا بالأثر الذاكري، والذي يقصد به الأثر الذي تتركه المعلومة في الذاكرة، وشكل “التمثيل” الذي تتخده فيها سواءً على شكل صورة أو ذكرى أو كلمة أو تجسيد … فإن قلت لك الآن “مسطرة” فالتمثيل الذي تتخده الكلمة في عقلك لتدرك المعنى قد يكون شكلًا لمسطرة أو ذكرى ترتبط بها مثلًا أو غيره … قد لا تشعر بالأمر؛ لأنّ مرحلة “الإدراك – التمثيل” حسب ما يثبت علم النفس لا تتطلب إلّا بضع ثوانٍ.

هذا الأثر الذاكري، ولكي يبقى في الذاكرة للمدى الطويل، لابد وأن يمر بثلاثِ مراحل أساسية:

الترميز: وهي مرحلة التعلّم، حيث بيدأ الأثر الذاكري في التشكل.
التقوية أو التخزين: هي ثاني مرحلة، والتي من خلالها يبدأ العقل في تخزين المعلومة في الذاكرة.
الاستعادة: هي المرحلة التي يتطلب فيها اللجوء إلى المعارف والمعلومات سابقة التخزين من أجل تذكر المعلومة الجديدة.
إنّ المرحلة الأخيرة، هي المرحلة التي تمكّننا من البحث عن المعلومة في الذاكرة من وقتٍ لآخر، وتضمن لنا عدم نسيانها، وإنّ الطريقة المعتمدة هاهنا هي غالبًا عملية “الربط“، حيث يتم ربط معلومة أو كلمة جديدة بأخرى سبق تعلمها، بشكل يضمن تذكرها بسهولة، وقد يكون الربط لتشابه المعنى (مثلًا تشابه المعنى في لغتين؛ الترجمة) أو لتشابه الأحرف أو غيره.

مايهمنا هاهنا، أنّ القدرة على تشكيل الأثر الذاكري لاترتبط بأي سنٍ محدد، فجميع المعلومات والكلمات تمر بنفس المراحل الثلاث المذكورة. بمعنى أدق: لا يوجد سن محددٌ لتعلّم اللغات حسب خلاصة دراسة “ Eric Clearinghouse on language and linguistics Washington DC“ لسنة 1987.

تعلّم اللغة وفقدان الذاكرة

أثبتت دراسة أجريت سنة 2012 على مجموعة من العسكريين بقيادة الباحث جوهان مارتنسون، والتي كان هدفها تحديد تأثير تعلّم لغة جديدة على الدماغ صحة فرضيتها، حيث تم قياس حجم الحُصين قبل وبعد ثلاثة أشهر من حصص مكثفة لتعلّم لغة أجنبية جديدة. والنتيجة: أنّ الحُصين يتطور حجمه تناسبًّا مع حصص التعلّم بحيث أنّ هذا الحجم أصبح كبيرًا بشكل ملحوظ مقارنةً مع العسكريين الذين لم يخضعوا للتجربة.

وبالتالي، فتعلّم لغة أجنبية يحفظ الذاكرة، ويطور من أداء الدماغ بشكل أساسي.

من جانب آخر، فبالتحدث عن فقدان الذاكرة – ودون الخوض في التفاصيل – فقد أثبتت نتائج دراسة أنّ تعلّم أكثر من لغتين أجنبيتين يحفظ الدماغ من أمراض فقدان الذاكرة بخمسة أضعافٍ. تماشيًا مع الفكرة، خلصت الدكتورة إيلين بياليستوك من خلال تجاربها وأبحاثها أنّ تعلّم لغتين أجنبيتين على الأقل يؤخر ظهور مرض الزهايمر بخمس سنوات.

تعلّم اللغة ومناطق الدماغ

أجرى مجموعة من الباحثين من جامعة بيركلي الأمريكية دراسةً أجريت على ستة متطوعين، حيث تم مراقبة نشاط دماغهم خلال ساعتين من الاستماع إلى حلقة برنامج في الراديو، والذي اختلفت فقراته وتنوعت بشكل يضمن تنوعًا في التلقي، وفي الأحاسيس نفسها.

نتيجة الدراسة أثبتت أنّ كل كلمة أو معلومة تنشط على الأقل ثلث الدماغ، وكل واحد منها لها مكان محدد تخزن فيها حسب معناها أو استعمالها. فمثلًا، كلمة “العائلة”، “الأم”، “المنزل” تنشط جانب الدماغ أسفل الأذن اليُمنى. يمكن الاطلاع على هذا الفيديو لمزيد من التفاصيل.

ما يهمنا هاهنا، هو إثبات أنّ الاستماع لكلمة أو معلومة سواءً غريبة أو سبق معرفتها (تعلّم لغة أجنبية) ينشط مجموعة من المناطق في الدماغ، الشيء الذي يؤدي بشكل أساسي لتنشيط عملية التذكر والتخزين نفسها.

تعلّم اللغة وأنواع الذاكرة

أغلبنا يعلم أنّ الذاكرة تتكون من ثلاثِ فئات: ذاكرة المدى القصير، المتوسط والطويل. وبما أنّ عملية تعلّم لغة أجنبية تتطلب منا تنشيط الذاكرة على المدى الطويل، فقد وضع جوهن أندرسون نظرية التعلّم التي تعرف بـACT، والتي تثبت أنّنا وخلال تعلّم شيء معقد (كتعلّم لغة أجنبية) فإنّنا ننشط ثلاث مساحات للذاكرة:

الذاكرة الإجرائية أو ما يسمى بذاكرة العادات: والتي تمكّن من استيعاب بناء الجملة أو الكلمة.
الذاكرة الدلالية: والتي تمكّن من تسجيل المعرفة العامة، حيث تعمل على تخزين المعنى، وليس البناء كسابقتها.
الذاكرة التعريفية أو ما يسمى بالذاكرة الشخصية: والتي تقوم بإسقاط ما عايشناه أو قمنا به.
بالاعتماد على هذه الأنماط الثلاثة، فإنّ تعلّم كلمة ما بلغة أجنبية، سيبدأ بالتعرف على بنيتها اللغوية، بعد ذلك إدراك معناها، ثم محاولة ربطها بأحداث واقعية، أو بالعملية التعليمية نفسها من أجل خلق ما يسمى بـ”السياق” لحفظها، وتنشيط الذاكرة على المدى الطويل.

شاركها

اترك تعليقاً