كيف نتعامل مع مفردات رسائل البريد الإلكترونيٍ المزعجة ؟

مفهوم – ربما لم يتلق أيٌ منّا رسائل بريد إلكترونيٍ تتضمن عبارات مثل: “أردت فقط أن أجدد النقاش بشأن هذا الموضوع. هل نجحنا في استيعاب العبر المستقاة من لجنة تقصي الحقائق التي أمرنا بتشكيلها؟ إنني بحاجة إلى ترجمة هذه الأفكار إلى مُنتج فعلي”.

لكنك إذا استعدت الرسائل التي سبق وأن تلقيتها في مجال عملك، فستجد غالباً تشابهاً مذهلاً فيما بينها. فبغض النظر عن طبيعة الشركة أو المؤسسة وما إذا كانت ناشئةً أو مملوكةً لشخص واحد أو ملكية عائلية، تمثل لغة التخاطب الروتينية والنمطية مرضاً مزمناً يصيب العديد من بيئات العمل، ويثير الغضب في بعض الأحيان.

ويلقى هذا الأسلوب في كتابة الرسائل الخاصة بالعمل إدانة واسعة من خلال النظر إليه بوصفه طريقة رديئة في المخاطبات في إطار الشركات والمشاريع. بل يصل الأمر إلى حد أن هناك من يرى أن استخدام الأذكياء للعشرات من تلك المفردات التي عفا عليها الزمن تجعلهم يبدون أقل ذكاءً. كما أن النفور من هذه الأساليب في كتابة رسائل العمل بلغ مرحلة ظهور دعوات وحركات تطالب بنبذها كلية ودون إبطاء. لكن ما يُتوقع من رد فعلٍ غاضب، ربما يجعل الأمر لا يستحق العناء.

تقول غرتشون ماكُلك، خبيرة في اللغة المستخدمة على شبكة الإنترنت ومؤلفة كتاب تحت الطبع يحمل اسم “لأن الإنترنت”، إن الإنسان لا يُكِنُ كراهيةً للمصطلحات الروتينية الخاصة بالعمل في الشركات والمؤسسات، في حد ذاتها.

وتقول إن المفردات المرتبطة بالعمل وأنماط التواصل فيه، ليست إلا تعبيراً عن كل مشاعر الإحباط التي نُكِنُها حيال العمل نفسه؛ سواءٌ بسبب التعامل بين زملاء لا يريدون أن يقيموا علاقات صداقة فيما بينهم خارج جدران مكان عملهم، أو بفعل اتخاذ المديرين قراراتٍ لا ترتبط بالمعايير المهنية بأي شكل من الأشكال، أو حتى جراء المشكلات التي تعترض طريق التواصل بين الموجودين في بيئة عملٍ واحدة.

وتضيف: “حين ترى الناس يبغضون شيئاً ما يتعلق بلغة التواصل بينهم، يكون ذلك الشعور في كثيرٍ من الحالات عَرَضاً لأزمةٍ ما أكثر من كونه سبباً لها. وبوسعك أن ترى ذلك في مناح مختلفة، فالناس يمقتون الطريقة التي يتحدث بها المراهقون فيما بينهم، لأنهم يتخوفون من الطريق الذي يمضي عليه الشباب، على سبيل المثال”.

ويقول جيف بولوم، أستاذ اللغويات العامة في جامعة أدنبرة، إن “معاني المفردات تتطور وتتحور ولو ببطء”. ويبدو رأي بولوم في هذا الشأن وجيهاً بشكل ما، فالمفردات الواردة ضمن رسالة بريد إلكترونية بعينها لا يجب أن تمثل في واقع الأمر سبباً يثير غضبك، وإنما فحوى الرسالة برمتها.

وتقول ماكُلك في هذا الصدد: “المفردات نفسها أشبه بالمارة الأبرياء الذين يسيرون في طريق شعورك بالغضب والإحباط. لكن الأيسر بالنسبة لك أن تُنزل جام غضبك على العبارات والمفردات، من أن تُقر بأنك منزعجٌ من مُرسِل الرسالة أو من أن مضمون ما كُتِبَ لا يروق لك، وأنك لا تريد سوى أن تنهال بعبارات السب واللعن على من أرسله”.

“العقد الاجتماعي”

وربما تشعر بالرغبة في أن تنفجر غضباً في وجه زملائك، بسبب المصطلحات الروتينية التي يستخدمونها أو لأي سببٍ آخر، لكنك لا تستطيع القيام بذلك لأن هناك “عقدا اجتماعيا” سائدا بيننا يفرض على كلٍ منّا إبداء قدرٍ معينٍ من الاحترام والذوق واللياقة تجاه من حوله.

لكن اضطرارك للالتزام بذلك، لا ينفي أنك ستظل بحاجة إلى أن ترى العمل وقد أُنجز. هنا يأتي دور اللجوء إلى التعبيرات الرسمية والمحفوظة والتقليدية، خاصةً في المواقف التي يوجد فيها وبوضوح ما يُعرف بـ “علاقات القوة والنفوذ”، المتمثلة في وجود أطرافٍ أكثر سلطة ونفوذاً من سواها في الموقف نفسه.

وتقول ماكُلك: “إنك تستخدم هذه العبارات للإشارة إلى أنك تحترم هذه الفوارق في مستويات السلطة والنفوذ بينك وبين من تخاطبهم وأنك تُقّدِر قيمة ما لديهم من وقت، لكنك مضطرٌ أيضاً وفي الوقت ذاته لإقلاق راحتهم كي يتابعوا سير العمل”.

ولذا يُنظر إلى عبارةٍ مثل “أود تجديد النقاش من جديد” حول موضوع ما، على أنها وسيلةٌ أكثر تهذيباً لسؤال زملائك عن سبب عدم إنجازهم شيئاً بعينه، دون تضمين الكلام مفردات مشحونةً بالغضب أو الانتقاد، ربما كنت ستفضل التفوه بها في واقع الأمر إذا أُطْلِقَ لك العنان.

وتشير ماكُلك إلى أنه “ليس هناك علاج” لداء استخدام هذه العبارات التقليدية، والتي تجعلنا قادرين على مواصلة التقيد بالقواعد المعمول بها في مكان العمل، مهما كان الانخراط فيه بشكلٍ يوميٍ مزعجاً لنا بالقطع. وتشير ماكُلك إلى أن “المسؤولية في هذا الأمر لا تقع على كاهل المفردات المستخدمة، وإنما على السياق الذي يجده الناس محبطاً. وطالما شعروا بذلك، فسوف ينحون باللائمة على الكلمات والعبارات التي استُخْدِمَت لتشكيل هذا المناخ، بصرف النظر عن طبيعتها”.

على أي حال، ربما يكون من غير المجدي أن نحلل العبارات والمصطلحات المستخدمة في مكان العمل، دون وضعها في سياقٍ ما، لأن الكثيرين يستخدمون هذه العبارات التقليدية لمجرد أن يصبحوا متلائمين مع المكان الذي يعملون فيه، كما يقول جيف بولوم.

وتقول أليسا كوهن، خبيرة التدريب المهني للمديرين التنفيذيين والتي تتخذ من مدينة نيويورك مقراً لعملها، إنها سمعت خلال عملها الكثير من المصطلحات الروتينية المتعلقة ببيئة العمل في مجالاتٍ شتى، بل إن لديها مصطلحاتٍ محببةً إلى قلبها أكثر من غيرها، من قبيل “النظام البيئي” أو “الإيكولوجي” و”نطاق العمل”، وغيرها.

ويقول جون غراي، الذي يعمل في المجال نفسه الذي تعمل فيه كوهِن ولكن في لندن، إن العديد من المديرين التنفيذيين يستخدمون مصطلحات ومفردات رمزيةً ومجازيةً. ويشير إلى أن ذلك يجعل الخبراء الذين يتولون تدريب هؤلاء المديرين يكرسون وقتاً طويلاً لفهم التشبيهات التي يلجأ إليها عملاؤهم.

ولهذا السبب، فقد سمع غراي كثيراً لعباراتٍ مثل “التفكير خارج الصندوق” و”المضي قدماً” وغيرها، لكنه يسمح لعملائه بالتمادي في استخدام هذه المصطلحات التقليدية، نظراً لكونها اللغة التي يشعرون بالارتياح وهم يتواصلون بها.

أما أنت يا من تطالع هذه السطور، فيجدر بك أن تفكر في صحتك وضرورة الحفاظ عليها، إذا اكتشفت أن مجرد سماع مفرداتٍ مثل هذه يشعرك بالغثيان، ويجعلك على وشك التقيؤ.

وربما يكون من الأجدر بك الاستماع لنصيحة ماكُلك في هذا الشأن، إذ تقول: “عودت نفسي على ألا أشعر بالانزعاج حيال اللغة المُستخدمة، كلما رأيت مثل هذه العبارات. فالحياة شديدة القصر، ولا أريد أن أرفع ضغط دمي بسبب شيءٍ هو في حقيقته عَرَضٌ لا سببٌ أو مرض”.

شاركها

اترك تعليقاً