مفهوم – اهتمَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اهتماماً واضحاً وبالغاً بتعريف المسلمين بآيات الله العِظام، وبمشاعر البيت الحرام، ومن بين هذه الآيات العظيمة التي بيّن فضلها وشرفها من خلال فعله وقوله صلى الله عليه وسلم؛ مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقد روى جابر بن عبدالله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيّناً صفة حجّه أنّه: (استلم الركنَ فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم نفذ إلى مقامِ إبراهيمَ عليه السلامُ، فقرأ: (واتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فجعل المقامَ بينه وبين البيتِ.
وورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله في فضل المقام: ( إنَّ الرُّكنَ والمقامَ ياقوتَتانِ مِن ياقوتِ الجنَّةِ ، طمَسَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ نورَهُما ، ولولا أنَّ اللَّهَ طمَسَ نورَهُما ، لأضاءَتا ما بينَ المشرِقِ والمغرِبِ)، وفي اهتمامه -صلى الله عليه وسلم- بالمقام وبمشاعر بيت الله الحرام رسالة للمسلمين كافّة، ولحجاج ولعمّار بيت الله الحرام خاصّة ببيان فضل هذه الآيات وشرفها، والتعريف بتاريخها، وفي هذا المقال سيتم تناول إحدى هذه الآيات البيّنات في بيت الله الحرام، وهو مقام سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، والتعريف به، وبيان وصفه، وفضله.
مقام إبراهيم
معنى المقام في اللغة المقام بفتح الميم: من قام قوماً وقومةً وقياماً وقامةً أي: انتصب، فهو قائم، من قوم وقيم وقوام وقيام، وقاومته قواماً: قمت معه، والقومة: المرة الواحدة، وما بين الركعتين قومة، والمقام: موضع القدمين.
المقصود بمقام إبراهيم
مقام إبراهيم هو الحجر الذي قام عليه نبيّ الله وخليله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- حين ارتفع بناؤه للبيت وشقَّ عليه رفع الحجارة، فكان يقوم عليه ويبني، وابنه إسماعيل عليه السلام يناوله الحجارة، وهو أيضاً الذي قام عليه نبي الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- للنداء والآذان بالحج، وفي هذا الحجر أثر قَدَميّ نبيّ الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ حيثُ جعل الله سبحانه وتعالى من ذلك الحجر رطوبة تحت قدميّ نبيّه، فغاصت فيه قدماه، وهو الحجر المعروف عند الكعبة المشرّفة والذي يُصلُّي الناس خلفه ركعتيّ الطواف.
موضع المقام في عهد النبي
إنّ للعلماء في موضع مقام إبراهيم -في عهد النبي صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أقوالٍ هي:
القول الأول: أنّ المقام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في موضعه الذي هو به الآن، وكذلك كان في عهد أبي بكر؛ حتى جاء سيلٌ في عهد عمر بن الخطّاب، فذهب به إلى أسفل مكة، فأعاده عمر بن الخطّاب إلى مكانه الأول.
القول الثاني: أنّ المقام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ملاصقاً للكعبة المشرّفة، حتى أخّره هو صلى الله عليه وسلم إلى موضعه الذي هو به الآن.
القول الثالث: أنّ المقام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر ملاصقاً للكعبة المشرّفة، حتى حوّله أمير المؤمنين عمربن الخطّاب رضي الله عنه.
وصف مقام إبراهيم
وُصفَ مقام إبراهيم بأنّه حجر مكعّب الشكل تقريباً، مثبت فوق قاعدة صغيرة من رخام المرمر، وقياس هذه القاعدة بنفس قياس المقام من حيث الطول والعرض، أمّا ارتفاعها فهو ثلاثة عشر سنتيمتر، أمّا لون الحجر فما بين الصفرة والحمرة وهو إلى البياض أقرب، وارتفاعه عشرون سنتيمتر، وطول كل ضلع من أضلاعه الثلاثة -من جهة السطح- ستة وثلاثون سنتيمتر، وطول ضلعه الرابع ثمانية وثلاثون سنتيمتر، فيكون محيطه 146 سنتيمتر، وقد غاصت قدما نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الحرّ إلى نصف ارتفاع الحجر؛ فعمق إحدى قدميه عشرة سنتيمترات والأخرى تسعة سنتيمترات.
لم يُر آثار أصابع قدميّ نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ لانمحائِها بسبب طول الزمن، وحجر المقام مُلبّسٌ كلّه بالفضّة الخالصة؛ فلا تظهر حقيقة الحجر، أمّا في الوقت الحاضر فالحجر موضوع في مقصورة زجاجيّة شفافة، تُرى من خلالها هيئة القدمين بوضوح.
فضائل مقام إبراهيم
جعل الله سبحانه وتعالى لمقام إبراهيم ما يدل على أهمّيته وعظمة شأنه، ومن هذه الفضائل ما يلي:
تخليد ذكره في القرآن الكريم؛ ممّا يدل على أهميته وعظمة شانه، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )سورة البقرة فالآية الكريمة تبيّن أنّ الله سبحانه وتعالى جعل البيت مثابة للناس يأتون إليه في كل زمان حُجّاجاً وعُمّاراً، وجعله سبحانه وتعالى أيضاً أمناً دائماً على من دخله، وعلى من حجّ البيت أو اعتمر أن يصلّي خلف المقام ركعتين.
مقام إبراهيم من أعظم آيات الله البيّنات في بيت الله الحرام، وفي المقام نفسه آيات واضحة وعظيمة على قدرة الله سبحانه وتعالى؛ منها أثر القدمين على الحجر، وبقاء الحجر على مرّ الزمان. الأمر الرباني باتخاذ المقام مصلى. مقام إبراهيم ياقوتة من ياقوت الجنة، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ( إنَّ الرُّكنَ والمقامَ ياقوتَتانِ مِن ياقوتِ الجنَّةِ ، طمَسَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ نورَهُما ، ولولا أنَّ اللَّهَ طمَسَ نورَهُما ، لأضاءَتا ما بينَ المشرِقِ والمغرِبِ).
مقام إبراهيم موطن من مواطن إجابة الدعاء؛ فقد نصّ كثير من الفقهاء والعلماء على استحباب الدعاء بعد ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم.