مفهوم الفيلم الوثائقي وخصائصه وسماته.
المتتبع لتاريخ السينما في العالم يلاحظ أنها قد بدأت بداية تسجيلية أو توثيقية، فصوّرت فعلاً مضارعاً لفاعله، حين صوّر الأخوان لوميير خروج عمال من المصنع، وصبياً يلتهم تفاحة.
تنوَّعت الأفلام التسجيلية، ليس فقط في موضوعاتها، بل في مناهجها وتوجهاتها، وعُرِضت أفلامٌ وصفية وتحليلية، إضافة إلى أفلام عن الإعلام، وأخرى عن البسطاء.
وعُرضت أفلام عن التنمية، وأخرى في النقد الاجتماعي، وفي الوقت نفسه ترسّخت للأفلام التسجيلية خصائص عامة، بداية من منهجها في المعايشة والملاحظة، ثم الإبقاء، وانتهاءً باكتشاف الجنس البشري، مروراً بميدانها، وهو الحياة الواقعية، ومادتها حياة الإنسان، يلتقط المخرج فكرة، يصيغها في نسق من مفردات الواقع، يشكلها في بناء فيلمي يعبِّر عن وجهة نظره، يراعي وحدتي الحدث والزمان بأسلوب فني خلاَّق.
1- مفهوم الفيلم الوثائقي:
يعني في الاصطلاح الفرنسي Film Documentaire، أن الفيلم وثيقة عن المكان، أو الحدث، أو الشخص الذي يتناوله، ولهذا يفضل البعض ترجمته إلى الفيلم الوثائقي بدلاً من الفيلم التسجيلي.
أما المفهوم الإنجليزي لهذا النوع من الأفلام التسجيلية الوثائقية Documentary Film فلا يكتفي الفيلم بتسجيل الحقيقة وحدها، وإنما يضيف إليها الرأي أيضاً.
أصدر الاتحاد الدولي للسينما التسجيلية في عام 1948، تعريفاً شاملاً للفيلم التسجيلي جاء فيه: “كافة أساليب التسجيل على فيلم لأي مظهر للحقيقة، يعرض إما بوسائل التصوير المباشر، أو بإعادة بنائه بصدق، وذلك لحفز المشاهد إلى عمل شئ، أو لتوسيع مدارك المعرفة والفهم الإنساني أو لوضع حلول واقعية لمختلف المشاكل في عالم الاقتصاد، أو الثقافة، أو العلاقات الإنسانية”.
وكان أول من استخدم مصطلح الفيلم التسجيلي هم الفرنسيون حين أطلقوه على الأفلام السياحية. وفي عام 1926 قام رائد السينما التسجيلية في العالم، جون جريرسون باستخدام مصطلح السينما التسجيلية، وهو يستعرض فيلم “موانا”، الذي أخرجه شاعر السينما التسجيلية روبرت فلاهرتي، الجوالة السينمائي الذي حمل كاميراته لتصوير حياة الناس اليومية في الأصقاع النائية ، فقدم دراسات كاملة بالكاميرا عن حياة الإسكيمو، وعن حياة السكان في البحار الجنوبية.
وقد حدَّد جون جريرسون للفيلم التسجيلي ثلاث خصائص، لا بد من توافرها لكي يصبح الفيلم تسجيلياً حقيقياً وهي:
أ- اعتماد الفيلم التسجيلي على التنقل، والملاحظة، والانتقاء من الحياة نفسها، فهو لا يعتمد على موضوعات مؤلفة وممثلة في بيئة مصطنعة كما يفعل الفيلم الروائي، وإنما يصوِّر المشاهد الحيةّ، والوقائع الحقيقية.
ب- أشخاص الفيلم التسجيلي ومناظره يختارون من الواقع الحي، فلا يعتمد على ممثلين محترفين، ولا على مناظر صناعية مفتعلة داخل الأستديو.
ج- مادة الفيلم التسجيلي تختار من الطبيعة رأساً، دون ما تأليف، وبذلك تكون موضوعاته أكثر دقة وواقعية من المادة المؤلفة والممثلة.
2- سمات الفيلم التسجيلي:
الفيلم التسجيلي هو شكل مميز من الإنتاج السينمائي يتميز بما يلي:
أ- يعتمد أساساً على الواقع في مادته وفي تنفيذه، بمعنى أن يكون تسجيلاً واقعياً لأحداث وقعت بالفعل، لا تحتاج إلى ممثلين لأداء أدوار معينة، ولكن من نفس الواقع التي تقع فيه الأحداث .
ب- لا يهدف إلى الربح المادي، بل يهتم بالدرجة الأولى بتحقيق أهداف خاصة في النواحي التعليمية، والثقافية، أو حفظ التراث، أو التاريخ.
ج- يختلف عن الفيلم الروائي من حيث هدفه المادي، فالأفلام التسجيلية غالباً ما تنتجها الدول لمعرفتها بأهمية إنتاج مثل هذه الأفلام التي بالرغم من أهميتها، فهي لا تدر أرباحاً على منتجيها، بخلاف الأفلام الروائية التي يكون أغلب إنتاجها هدفه تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح.
د- يتسم عادة بقصر زمن العرض، حيث يتطلب درجة عالية من التركيز أثناء مشاهدته، ومن الملاحظ دائماً أن يكون إنتاج الأفلام التسجيلية لا يزيد في أغلبها عن 20 – 30 – 45 دقيقة على أكثر تقدير، وذلك نظراً لأن إنتاج مثل هذه الأفلام يكون موجهاً إلى نوعية معينة من الجماهير، يحمل لها الأهداف الخاصة.
هـ- يخاطب في العادة فئة أو مجموعة مستهدفة من الجماهير، وأثناء الإعداد لإنتاج فيلم من الأفلام التسجيلية يُحدد الجمهور المستهدف لهذا الفيلم، وعلى أساس خصائصهم يكون أسلوب المعالجة، وحجم ونوعية المعلومات، وكيفية تناولها، وتقديمها، والمستوى اللغوي للتعليق المصاحب للفيلم، أو للحوار القائم بين شخصياته.
و- يتسم بالجديّة وعمق الدراسة التي تسبق إعداده، وشعار الفيلم التسجيلي، «السينما رسالة، وفن، وعلم».