هل أنت ممن يخافون من الأرقام ؟

مفهوم – قد تكون العمليات الحسابية الذهنية مرهقة لكثير من الناس، وقد تسبب خوفاً من الأرقام يبقى أثره طوال العمر.

ما الذي يجعل الدماغ يتجمد عند حساب أرقام صعبة؟ الصحفي العلمي ديفيد روبسون يلقي الضوء على هذا الموضوع.

لا شيء يرعبني أكثر من الحاجة إلى حل مسألة رياضيات أمام الجمهور.

حتى المهمات السهلة مثل تقسيم حساب فاتورة مطعم يجعلني أتصبب عرقا باردا. ومهما كانت شدة تركيزي، تنزلق الأرقام من عقلي، وتتركني لا أعرف الإجابة، أو غير واثق من صوابها.

هل تعرف تلك الأحلام التي تدرك فيها فجأة أنك نسيت كل ملابسك؟ هذا بالضبط هو الشعور الذي يتملكني. والسر الذي يحرجني هو أنني أحمل درجة جامعية في الرياضيات، ورغم ذلك ذلك لا يقارن بالإحراج والتوتر الذي أشعر به أثناء دراستي للتفاضل والتكامل في غرفتي الخاصة، بما أشعر به عندما أضطر للقيام بعملية حسابية أمام الآخرين، حتى لو كانت مجرد تذكر الأرقام السرية لقفل باب المبنى الذي أقيم فيه.

لذا شعرت بالارتياح عندما علمت أنني لست وحيداً فيما يتعلق برهاب الرياضيات، الذي يعتبر حالة نفسية جرت دراستها بعناية وتتلخص في الخوف من الأرقام.

ولحسن حظي، فإن خوفي ينحصر في القيام بعمليات حسابية أمام الجمهور، أما كون الرياضيات عبارة عن أرقام، وحروف، فلا مشكلة لدي في ذلك. ولكن بالنسبة للكثيرين، يعتبر الخوف من الأرقام رهابا حقيقيا يعكف علماء النفس الآن على دراسة أسبابه ونتائجه.

باديء ذي بدء، يقوم علماء النفس بقياس درجة رهاب الرياضيات عن طريق استبيان يُطلب فيه من المشاركين أن يسجلوا مستوى شعورهم بالقلق أو الرهبة عندما يقومون بمهمات مختلفة تتدرج من مجرد فتح كتاب لمساق الرياضيات إلى الدخول في امتحان مهم.

ومع أن الدراسة تجري على صغار السن، إلا أن هذه الحالة يمكنها أن تؤثر على البالغين وطلبة الجامعات أيضاً، حتى إلقاء نظرة على فاتورة شراء من أحد المتاجر يمكن أن تتسبب في الشعور بالإرتباك لدى بعض الناس.

وفي الآونة الأخيرة، تمكن العلماء من دراسة البعد النفسي لهذه الظاهرة، فتوصلوا إلى أنه على الرغم من أن الرياضيات لا تنطوي على أي خطورة نفسية على الإنسان، فإن لها انعكاساً جسدياً حقيقياً عليه، بما في ذلك إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيسول، الذي يطلقه الجسم في حالة دخول الإنسان في عراك، أو خوفه من ركوب الطائرة.

وتوصلت إحدى الدراسات إلى أن توقع وانتظار امتحان رياضيات يؤدي إلى تفعيل نشاط مصفوفة الألم في الدماغ، وهي المناطق الدماغية التي تعمل بنشاط في حالة قيامك بإيذاء نفسك جسدياً.

ومن غير الواضح سبب اثارة الرياضيات لكل هذا التوتر مقارنة بالجغرافيا على سبيل المثال. لكن حقيقة وجود إجابة خاطئة وأخرى صحيحة، لا مجال فيها للمراوغة، يجعلك قلقا على الدوام من الظهور بصورة سيئة.

وحتى مع ذلك، فإن هذا الخوف غالباً ما يكون بلا مبرر، وقد يكون سبباً في أدائك السيء.

ففي عام 2012 على سبيل المثال، أظهر المسح الضوئي لأدمغة أطفال بين سن السابعة إلى التاسعة في الولايات المتحدة الأمريكية، أن الذين يشعرون بالخوف من الرياضيات يكون الدماغ لديهم أكثر نشاطاً في المناطق المسؤولة عن الشعور بالتهديد، والتي تظهر على شكل لوزتين.

كما أظهر المسح أن المنطقة الدماغية التي تقع خلف العينين مباشرة، وهي المسؤولة عن تحليل النتائج، تصبح أقل نشاطاً بفعل الخوف، وهو الأمر الذي يعني خفض مستوى أداء الذاكرة القصيرة.

وذلك يعني أن الأطفال يجدون صعوبة نتيجة هذا الخوف في التركيز على التعامل مع الأرقام التي بين أيديهم. وأحد التفسيرات هي أن القلق هو الذي يعيق قدرتهم على جمع الأرقام.

ويمكن لبذرة الخوف تلك أن تأتي من عدة مصادر، لكن أحدها يمكن أن يكون المعلمون الذين يشيعون في تلاميذهم الخوف الذي كانوا يشعرون به هم أنفسهم عندما كانوا طلاباً.

ويمكن للصغار أن يشعروا إذا ما كان الكبار يشعرون بالتوتر ويبدأون بدورهم في التفكير في البحث عن مصدر الشعور بالخطر أيضاً. وبناء على ذلك، فإن المعلمين الذين يشعرون بتوتر تجاه قدراتهم في الرياضيات تجد أن لديهم أعداداً أكبر من التلاميذ القلقين.

كما أن للثقافة دورا في الشعور بالتوتر، إذ أنه من المعروف أن الفتيات أكثر عرضة للشعور بالتوتر من مادة الرياضيات، وخصوصاً عندما تدرسهن هذه المادة معلمات. ويرجع ذلك ربما للفكرة المسبقة التي تعتقد بأن التلميذات لسن جيدات في مادة الرياضيات.

ويمكن للجينات أن يكون لها تأثير على الشعور بالتوتر من الرياضيات، حيث تكون مسؤولة عن استجابتك بشكل سلبي لمادة الرياضيات أسوة باستجابتك لأي نوع من أنواع الشعور بالتهديد.

وبغض النظر عن جذور هذا الشعور بالتوتر، ففي اللحظة التي تضرب فيها بذرة الخوف بجذورها، فإنها تبدأ في النمو. فكلما زاد شعورك بالقلق والتوتر، كان أداؤك سيئاً، وتزداد رغبتك في الابتعاد عن الرياضيات، وبالتالي تكون أشد قلقاً عند اضطرارك لمواجهتها من جديد.

ويقول علماء النفس إن نتائج ذلك قد تكون وخيمة. فالأشخاص الذين يعانون من رهاب الرياضيات أقل قدرة على فهم الإحصائيات المتعلقة بأخطار الأغذية المعدلة وراثياً على سبيل المثال.

وفي ذات السياق، يؤدي ذلك إلى عدم إدراك الأخطار الناجمة عن التدخين، أو الإفراط في تناول الطعام. ويقوم أطباء النفس بعلاج أنواع الرهاب المختلفة بطريقة تقوم على مواجهة المصاب لمخاوفه، وبالتالي محاولة التكيف مع الرهاب.

ولسوء الحظ، لا يبدو أن دروس الرياضيات الإضافية قادرة على تخفيف هذا الشعور بالفزع. لكن ربما كانت هناك حلول أخرى.

أحد هذه الحلول ما يطلق عليه اسم “الكتابة التعبيرية”، حيث توصلت الكثير من الدراسات إلى أن الحديث عن مخاوفك وما يثير القلق في نفسك يساعد على التخفيف من حدة هذه المخاوف، ويقلل من سيطرتها عليك.

وعندما طلب من تلاميذ أحد الفصول أن يكتبوا عن مخاوفهم قبل الامتحان، تمكنوا من تحسين درجاتهم من مستوى جيد إلى مستوى جيد جدا.

آخرون يحاولون إيجاد طرق أخرى لإعادة تعريف مخاوفهم من بينها تشجيع التلاميذ على النظر إلى الامتحان كتحد، وليس كتهديد، وأن يشرح لهم أن خوفهم لا يعني أنهم ضعفاء بطبيعتهم.

فهل يمكن لإعادة تعريف مخاوفي أن تخفف من حالة الذعر التي أشعر بها المرة القادمة عندما يطلب مني أن أقسم فاتورة المطعم على عدة أشخاص اشتركوا في طاولة واحدة؟

بالتأكيد سأحاول ذلك. لكنني إذا لم أتمكن من ذلك، فالحل يكمن في أن استخدم الآلة الحاسبة على هاتفي الذكي.

شاركها

اترك تعليقاً