مفهوم – ربما كانت الكلاب “أعز أصدقائنا” لكنها أيضا باتت تمثل تهديدًا رئيسيا للحياة البرية.
ويقول العلماء إن الكلاب أسهمت في انقراض أكثر من عشرة أنواع من الطيور والحيوانات البرية.
وبذلك، باتت الكلاب بمثابة ثالث أسوأ الحيوانات المفترسة التي يستخدمها الإنسان بعد القطط والجرذان.
وتشير الدراسات إلى أن الكلاب باتت الآن تهدد نحو 200 نوع حيواني حول العالم، بعضها مهدد بشدة بالانقراض.
ومع ذلك، فإن ظاهرة الكلاب الضالة والطليقة لم تأخذ حقها من الاهتمام، بحسب ناشطين بيئيين.
هل نتمكن قريبا من العيش على سطح القمر؟
وفي دراسة أُجريت حديثا على الكلاب في تشيلي، يقول الباحثون: إن “النشطاء البيئيين في تشيلي وغيرها يرون ضرورة ملحة في السيطرة على آثار الكلاب الطليقة على الحياة البرية”.
وكشفت الدراسة عن أن أصحاب هذه الكلاب لا يكترثون بالقضية وأن العديد منهم يسمحون لكلابهم بالتجول بحرّية في البرية.
ويقول أحد هؤلاء الباحثين : “تم توثيق عمليات افتراس ومضايقات قامت بها كلاب ضد غالبية الثدييات البرية الكبيرة التي تستوطن تشيلي، وتضمّن ذلك الأنواع الثلاثة لفصيلة ‘كانيد’ (ثدييات تنتمي للعائلة الكلبية) والأنواع الغزلانية الثلاثة”.
مليار كلب
ثمة تقديرات بوجود نحو مليار كلب محلي حول العالم، تتراوح حالاتهم بين الضال والطليق إلى المعتمِد تمامًا على الإنسان.
ولا يوجد رقم محدد للكلاب الضالة والطليقة، لكن الناشطين البيئيين يقولون إن العدد يشهد زيادة مطردة.
وصرّح بييرو جينوفيسي، رئيس الوحدة المتخصصة في الأنواع الغازية بالاتحاد الدولي لحماية الطبيعة لـ بي بي سي بأن “الأمر جدير بالاهتمام الجاد. ومع زيادة أعداد البشر، تزيد أعداد الكلاب، وهي مشكلة مرشحة للتفاقم”.
أنواع عنيدة
بين ما يقرب من 200 نوع حيواني مهدَّد عن طريق الكلاب الضالة والطليقة، ثمة 30 نوعًا مصنّفًا بأنه مهددًا بشدة بالانقراض، و71 مهددا بالانقراض، و87 عرضة للتهديد على القائمة الحمراء للأنواع المعرضة للخطر بحسب الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة.
ونحو نصف تلك الأنواع من الثدييات، و78 منها من الطيور، و22 من الزواحف وثلاثة من البرمائيات.
أما أكثر الأماكن تضررًا فهي: أجزاء من آسيا، ووسط وجنوب أمريكا، ومنطقة البحر الكاريبي وأجزاء من أوقيانوسيا، بحسب دراسة نُشرت في دورية بيولوجيكال كونزرفيشن.
ويقول خبراء إن الكلاب الضالة والطليقة هي سبب المشاكل الحقيقية.
اقتناء الكلاب “مرتبط بتراجع احتمالات الوفاة”العديد من الآثار
تؤثر هذه الكلاب على الحياة البرية بخمسة طرق عامة:
فهي تصبح مفترسة وتقتل حيوانات برية، وتساعد في اضطراب النظام البيئي، وتنقل أمراضا للحياة البرية، وتتنافس مع حيوانات البرية على فرائسها، كما تتزاوج مع أنواع الفصائل القريبة منها.
تقول إيزابيلا فييزبوفسكا، الباحثة بجامعة ياغيلون في بولاندا: “عبر أفخاخ كاميراتنا المخفية اكتشفنا أن الكلاب تتسلل إلى الأوكار حيث يأخذ حيوان الوشق فرائسه التي قتلها، ولدينا مقاطع فيديو تُظهر الكلاب تأكل أشلاء تلك الفرائس. كما لاحظنا أن الوشق ينزعج بشدة لدى اكتشافه أن حيوانا مفترسا آخر موجود في الوكر ويتغذى على فريسته هو”.
وأظهرت دراسات أن الكلاب أسهمت في انقراض ثماني أنواع على الأقل من الطيور، بينها طائر السمان النيوزيلاندي.
وتواترت صور على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر كلابا ضالة تصطاد وتقتل أنواعا مهددة بالانقراض في أنحاء مختلفة من العالم.
حوادث صيد
ومن بين أبرز الحوادث في هذا الصدد، كان نمر الثلج الذي تآمرت ثلاثة كلاب ضالة على اصطياده في منطقة التبت، وكذلك الدب القطبي الذي أحاطت به ثلاثة كلاب طليقة لاصطياده.
وأشارت دراسة نشرتها دورية أوريكس العلمية، إلى أن حوالي 70 في المئة من أيائل البودو الأصغر حجما ، والتي أُحضرت لمراكز إعادة تأهيل في دولة تشيلي، قد تعرّضت للهجوم من الكلاب.
وكشفت دراسة أُجريت في أكثر من 30 حديقة وطنية في البرازيل أن 37 نوعا من الحيوانات الأصلية تضررت من وجود الكلاب المحلية.
وفي ولاية راجستان الهندية، ثمة ما لا يقل عن 100 من طيور الحباري الكبيرة المهددة بالانقراض، لا تزال تحت تهديد الكلاب.
ويقول أبي فاناك، الخبير في الأنواع الغازية، وصاحب العديد من المؤلفات في هذا الصدد، إن “هذه المشكلة لا تزال قائمة بل وتتفاقم في منطقة الهيمالايا الهندية منذ ما يزيد على عشر سنوات”.
ويدرس أبي فاناك الآن إلى أي مدى اجتاحت الكلاب محميات النمور في الهند.
الكلاب والأمراض
يقول بعض الخبراء إن الحياة البرية في العديد من أنحاء العالم تضررت بأمراض نقلتها الكلاب – وهذه هي أكبر المشاكل العلمية.
وقال أرنولف كوينكا، مدير قسم حماية الأنواع بالصندوق العالمي للطبيعة في ألمانيا، إن “الصيد المباشر عن طريق الكلاب لا يمثل أخطر أنواع التهديد. أما القضية الرئيسية فتتمثل في انتشار الأمراض من الكلاب إلى الحيوانات البرية، وعلى رأس تلك الأمراض: داء الكلب وسُلّ الكلاب”.
ويضيف كوينكا: ” رُصد العديد من حالات تفشيّ تلك الأمراض بين ذئاب إثيوبية مهددة بشدة بالانقراض، على سبيل المثال، فضلا عن تفشي داء الكلب في الهند ونيبال”.
مشكلة الذئاب
في أوروبا، يقول الخبراء، إن المشكلة تختلف بعض الشيء.
ويبدي الخبراء قلقا إزاء تزاوج الكلاب الضالة والطليقة من الذئاب، “وهذا يمثل تهديدا للذئاب، وإذا ما استمر هذا الوضع، فسوف نخسر النقاء الجيني لذئابنا” بحسب موريتس كلوسا من الصندوق العالمي للطبيعة.
جدلية القتل
طالما ظلت مسألة قتل الكلاب الضالة والطليقة كحلّ للمشكلة مثار جدل، فضلا عن أن العديد من الدول تحظر ذلك.
وتقول كيلي أوميرا، نائب رئيس قسم الحيوانات المرافقة بـ جمعية الرفق بالحيوان الدولية، إن “حملات القتل لتقليص أو إبادة الكلاب ليست وحشية فحسب وإنما هي غير فعالة كذلك؛ إذ تخلق فراغًا سرعان ما تملؤه كلاب جديدة من مناطق أخرى”.
وتضيف أوميرا: “مفتاح حل المشاكل بطريقة فعالة ومستدامة يتمثل في التقليص التدريجي لأعداد الكلاب عن طريق برامج إنسانية للتعامل مع الكلاب، بينها إخصاء ونزع مبايض تلك الكلاب لتقليص العدد الإجمالي، ثم عمل تلقيح شامل بالأمصال لضمان صحة الكلاب المتبقية وخلوها من الأمراض”.
ويقول الناشطون البيئيون إنه على الرغم من العديد من الدراسات التي كشفت عن وجود المشكلة، إلا أنه لم تظهر بعدُ مقترحات شاملة تطرح حلولا لتلك المشكلة، وما لم يحدث ذلك، وفي ظل استمرار ازدياد أعداد البشر والكلاب، تبقى الحياة البرية عُرضة للتهديد.