مفهوم – كان حول الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة ممن يجيدون نظم الشعر ويمتازون بالفصاحة والبلاغة ورقي اللغة. عُرِف هؤلاء الأجلاء بشعراء الرسول، يمتدحونه وكان لهم من تقنيات الكتابة والقراءة ما لم يكن لغيرهم، ويردُّون على من يهجوه، بل وصل شعرهم للحروب والتهديد والوعيد للكفار، وهؤلاء الشعراء هم حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن أبي رواحة.
حسان بن ثابت.. سيد الشعراء
أبو الوليد حسان بن ثابت الخزرجي، أشهر شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم.
مدحه في كثيرٍ من القصائد الفصيحة والبليغة، وامتاز شعره أيضًا بذكر عيوب الكفار والدفاع عن المسلمين، فكان سيد الشعراء المؤمنين.
ويُعدُّ حسان بن ثابت من الشعراء المخضرمين؛ إذ عاش 60 عامًا في الجاهلية، و60 أخرى في الإسلام. قبل الإسلام كان لسان قومه في الحروب فعُرِف بشاعر الخزرج.
وهو من الشعراء المدَّاحين، فقبل مدحه للرسول كان يمتدح في الجاهلية الغساسنة والنعمان بن المنذر وغيرهم، وبعدما دخل الإسلام في الستين من عمره اكتسب الكثير من الألفاظ والتعبيرات من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة فزادت شعره قوة وبلاغة.
ومن أشهر أشعاره في مدح النبي: “نبيٌّ أتانا بعد يأسٍ وفترةٍ .. من الرُّسْلِ والأوثانُ في الأرض تُعبَدُ فأمسى سراجًا مستنيرًا وهاديًا، يلوح كما لاح الصقيل المهندُ”. وفي دفاعه عن الرسول وردِّه على الكفار، كان لحسان بن ثابت أبيات شهيرة يتحدى بها أبا سفيان، بقوله: “هجوت محمدًا فأجبت عنه .. وعند الله في ذاك الجزاءُ فإنَّ أبي ووالده وعرضي .. لعِرض محمدٍ منكم وقاءُ أتهجوهُ ولست له بكفؤ .. فشرُّكما لخيركما الفداءُ”. كما تميَّز حسان بن ثابت بقوة ألفاظه وعظمة مدحه ودفاعه عن الرسول بالقول والفعل. :
كعب بن مالك.. شاعر الحرب
هو عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري، وكنيته أيام الجاهلية “أبو بشير”. شاعر من شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم، اشترك معه في غزوة بدر التي أنشد فيها شعرًا يقول: ” نبيٌّ له في قومه إرثُ عزةٍ .. وأعراق صدقٍ هذَّبتها أرومها فساروا وسرنا فالتقينا كأننا .. أسود لقاءٍ لا يُرجى كليمها”. وأنشد فيها أيضًا: “لعمر أبيكما يا بني لؤي .. على زهوٍ لديكم وانتخاءِ لما حامت فوارسكم ببدر .. ولا صبروا به عند اللقاءِ وردناه بنور الله يجلو .. دجى الظلماء عنا بالغطاءِ”.
وكان كعب بن مالك يُعرَف عنه بأنه شاعر الحروب، فكان يُهدِّد الكفار ويتوعدهم في الحروب والغزوات، حتى أن قبيلة (دوس) أسلمت خوفًا من بيتٍ قاله وهو: “نخيرها ولو نطقت لقالت .. قواطعهن دوسًا أو ثقيفًا”. أما عن أشهر القصص التي رُويَت عنه فهي تخلفه عن غزوة تبوك على الرغم من كونه قادرًا عليها، ولكنَّ الله تاب عليه بعدما صبر على البلاء الذي توالى عليه عقب تخلفه عن الغزوة، إذ قاطعه المسلمون ولم يكُن الرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إليه. كان كعب بن مالك، بالإضافة إلى كونه من شعراء الرسول، من رواة الأحاديث الشريفة، فقد روى 30 حديثًا شريفًا، وتُوفِّي وهو في سنِّ الـ77 من عمره في الشام.
عبد الله بن رواحة.. الشاعر المجاهد
هو أبو محمد بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي. دافع بشعره عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان بأبياته ولغته القوية يرد على من يهجوه فكان يقول: “إني تفرَّست فيك الخير أعرفه .. والله يعلم أنْ ما خانني البصرُ أنت النبي ومن يُحرَم شفاعته .. يوم الحساب فقد أزرى به القدرُ”.
وكان ابن رواحة يكتب الشعر في الجاهلية والإسلام، وكان إسلامه قويًّا دائمًا ما يحث نفسه على التقوى والجهاد في سبيل الله، فاشترك في عددٍ من الغزوات مع الرسول منها غزوة بدر والخندق وصلح الحديبية، أما غزوة مؤتة فهي الغزوة التي استُشهِد فيها، فقال عنه الرسول: “رحم الله عبد الله بن رواحة، إنه كان يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة”. ورافق عبد الله بن رواحة رسول الله في عمرة القضاء، فأمره الرسول بأنْ “ينزل ليُحرِّك الركاب”، فأنشد عندها: “يا رب لولا أنت ما اهتدينا .. ولا تصدَّقنا ولا صلينا فأنزلنَّ سكينةً علينا .. وثبت الأقدام إنْ لاقينا إن الطفار قد بغوا علينا .. وإنْ أرادوا فتنةً أبينا”. وعُرِف عنه هو وكعب بن مالك وحسان بن ثابت أنهم شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم، والمدافعون بشعرهم وقصائدهم عنه أمام كل من تُسوِّل له نفسه لهجائه. :