مفهوم – الحمد لله ربِّ البرية، جعل الزَّوجية سُنَّةً من سُننه الكَونِيَّة، وعَقدًا أبرَمه في الجَنَّة العَلِيَّة لأبَوَي البشريَّة، وكرامة سَنِيَّة يوم القيامة لمن صَلَح مِن الذُّرية.
ولِعِظَمه وجَلالته، فخَّم القرآن أمره، وحضَّ على الوفاء به، فسَمَّاه ميثاقًا غليظًا، وجعله بذلك للنبوة قرينًا، فقال في شأن الصَّداق: ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 21]، وقال – مُخبِرًا عمَّا أخذه على الأنبياء من الميثاق -: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [الأحزاب: 7].
ورتَّب نبيه – صلَّى الله عليه وسلَّم – جَرَّاء التقصير في شأنه من التباس الأمر بين العباد وكثرة الفساد في البلاد، نظير ما رَتَّب هو – سبحانه – على التفريط في جنب الولاء والبراء؛ فقال جَلَّ في عُلاه: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [الأنفال: 73]، وأوحى إلى صفوته من خلقه أن يقول: ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخُلُقه فأنكحوه، إلاَّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير))؛ رواه الترمذي (185)، والبيهقي (13259) – واللفظ له – وحسَّنه الألباني.
مَن تختار؟
1- إذا قَدِرت على النكاح ، فلا تُؤخِّرَنَّه، وإياك والشيطانَ لا يَصُدَّنَّك، فإنه استكمال لشطر دينك، واتباع لهدي نبيك، ونِعم العَون لك على طاعة ربك؛ قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا تزوَّج العبد، فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله فيما بقي))؛ الصحيحة (625)، وقال أيضًا: ((النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوَّجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طَول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصيام، فإن الصوم له وجاء))؛ رواه ابن ماجه (1846)، وحسَّنه الألباني.
وعن عبدالله بن مسعود قال: كنَّا مع النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – شبابًا لا نجد شيئًا، فقال لنا رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفَرْج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء))؛ متفق عليه.
2- واعلم أن الزوجة التي ستختار حَرثٌ لك، يوشك أن يؤتي أُكله، فلا تسقِيَنَّ ماءك إلا أرضًا طيبة؛ ﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ﴾ [الأعراف: 58]، قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تَخَيَّروا لنُطَفكم، وانكَحوا الأكفاء، وأَنكِحوا إليهم))؛ رواه ابن ماجه (167)، وصحَّحه الألباني.
3- فقدِّم إذن رابعة الخصال، وفز بصاحبة الدين والتقوى، واعلم أنه ليس بمغنٍ عنك ما يُنسب إلى الآباء من جميل الفِعال، ولا وَفرة المال، فإن مآله إلى الزَّوال، ولا براعة الجمال فإنه بريد الإذلال.
روى الشيخان عن المبعوث رحمة للإنس والجان – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنه قال: ((تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحَسَبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفَر بذات الدين تَرِبَت يداك))؛ أي: لَصِقتا بالتراب من شدة الفقر، إن لم تفعل.
4- واعلم أن سعيك في إحصان نفسك من سبيل الله؛ عن أبي هريرة قال: ((بينما نحن جلوس مع رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – إذ طلع علينا شَابٌّ من الثَّنِيَّة، فلمَّا رأيناه بأبصارنا، قلنا: لو أنَّ هذا الشَّاب جعل شبابه ونشاطه وقوته في سبيل الله، قال: فسمع مقالتنا رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((وما سبيل الله إلا من قُتِل، من سعى على والديه ففي سبيل لله، ومن سعى على عياله ففي سبيل لله، ومن سعى على نفسه لِيُعِفَّها ففي سبيـل لله، ومن سعى على التَّكاثر فهو في سبيل الشيطان))؛ الصحيحة (2232).
5- وأبشر – أيها الرَّاغب في إعفاف نفسه وتكثير نسله تحقيقًا لرغبة نبيه – بالعون من الله تعالى والتَّأييد والنَّجاح والتَّسديد؛ قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ثلاثة حق على الله – عزَّ وجلَّ – عونُهم: المكاتَبُ الذي يريد الأداء، والناكِحُ الذي يريد العَفَاف، والمجاهِد في سبيل الله))؛ رواه النسائي (3218)، وحسَّنه الألباني.
الخِطبة:
1- فإذا هممت بخطبة امرأة، فاركع ركعتين من غير الفريضة، فإذا سلَّمت فاستخِر الله ربك، واستشِر من تأمن من إخوانك؛ فإنَّه ما خاب من استخار، ولا نَدِم من استشار.
2- وكذلك فافعلي أنت – أختي – إذا خُطِبت؛ فعن أنس – في قصة تزويج أم المؤمنين زينب بنت جحش – قال: ((… قال زيد: يا زينب، أرسل رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يذكُرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أُؤَامرَ ربِّي، فقامت إلى مسجدها))؛ رواه مسلم (1428).
3- فإذا ألقى الله في قلبك خِطبتها، فأتِ وَلِيَّها.
واعلم أن ثمَّة أمورًا عليك مراعاتها:
أولاً: أن تنظر إلى ما يدعوك إلى نكاحها، ذلك أدعى إلى دوام المودَّة بينك وبينها؛ قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا خطب أحدكم امرأة، فلا جُناح عليه أن ينظر إليها، إذا كان إنما ينظر إليها لخطبتها، وإن كانت لا تعلم))؛ الصحيحة (97).
وعن المغيرة بن شُعبة قال: خطبتُ امرأة، فذكرتها لرسُول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم ، قال: فقال لي: ((هل نظرت إليها؟))، قلت: لا، قال: ((فانظر إليها، فإنه أحرى أن يُؤدم بينكُما))، فأتيتها وعندها أبَوَاهَا، وهي في خِدرها، قال: فقلت: إن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أمرني أن أنظُر إليها، قال: فسكتا – كأنهما كَرِها ذلك – قال: فرفعت الجاريةُ جانب الخِدر، فقالت: أُحَرِّج عليك، إن كـان رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أمرك أن تنظر إلي لَمَّا نظرت، وإن كان رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – لم يأمرك أن تنظر إلي فلا تنظر، قال: فنظرت إليها، ثم تزوجتها، قال: فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها، ولقد تزوَّجت سبعين أو بضعًا وسبعين امرأة؛ رواه ابن ماجه (1866)، والبيهقي (13268) – واللفظ له – وصحَّحه الألباني.
ثانيًا: أن ترضى عنك، ويطيب خاطرها بك؛ عن عائشة قالت: كان رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – إذا أراد أن يزوج بنتًا من بناته جلس إلى خدرها، فقال: ((إن فلانًا يذكر فلانـة))، يُسَمِّيها، ويسمي الرجل الذي يذكرُها، فإن هي سكتت زَوَّجَها، وإن كرِهت نَقَرت السِّتر، فإذا نقرته لم يُزَوِّجها))؛ الصحيحة (2973).
ثالثًا: أن تكون صالحة؛ لحديث: ((أربع من السَّعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاوة: الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيق، والمركب السوء))؛ الصحيحة (282).
رابعًا: أن تكون بكرًا؛ لحديث: ((عليكم بالأبكار؛ فإنهن أعذب أفواهًا، وأنتق أرحامًا، وأرضى باليسير))؛ رواه ابن ماجه (1861)، وحسَّنه الألباني.
فعلَّل – صلَّى الله عليه وسلَّم – حثَّه على نكاح الأبكار بثلاثة أمور:
1- طِيب الأفواه – حقيقة ومعنى؛ عذوبة الرِّيق عند المُلاعبة، وحلاوة المنطق عند المخاطبة.
2- كثرة الإنجاب؛ إذ أرحامهن أكثر قبَولاً للنُّطفة، لقوة حرارتها.
3- قلَّة تسخُّطها على بعلها في جميع شأنها؛ إذ لا معرفة لها باختلاف الأحوال، ولا تداولتها أيدي الرجال.
خامسًا: أن تكون كثيرة الولادة، بالتجربة أو بالمظنة؛ عن مَعقِل بن يَسار قال: جاء رجل إلى النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: ((لا))، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: ((تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم))؛ رواه أبو داود (25)، وقال الألباني: حسنٌ صحيحٌ.
سادسًا: أن تكون كثيرة المحبة لبعلها، تجربة أو مظنة؛ قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود، الولود، العؤود على زوجها، التي إذا آذت أو أوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها، ثم تقول: والله لا أذوق غَمضًا حتى ترضى))؛ صحيح الجامع (264)، وقـال – عليـه الصلاة والسلام -: ((خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية، إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المُتخَيِّلات، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مِثل الغُراب الأعصم))؛ الصحيحة (1849).