مفهوم. بالفيديو.. سيدة فلسطينية تقدم 10 من اهلها للاستشهاد
في موكب جنائزي مهيب شيع الالاف في محافظة رفح جنوب قطاع غزة الحاجة فاطمة الجزار (أم رضوان الشيخ خليل) الملقبة بخنساء فلسطين والتي وافتها المنية في شهر رمضان المعظم خلال رحلة علاج في أحد المستشفيات المصرية عن عمر يناهز الـ75 عاما
لقبت بخنساء فلسطين إثر استشهاد خمسة من أبنائها على يد الاحتلال الإسرائيلي.
ونعت حركة الجهاد الإسلامي أم رضوان الشيخ خليل من سكان مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وقالت إن الوفاة جاءت بعد حياة حافلة بالتضحية والعطاء والجهاد، مضيفة أن السيدة الجزار كانت مثالا في الصبر والصمود.
وشهدت مراسم التشييع حمل جثمان “خنساء فلسطين” في عرض عسكري مهيب لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.
قدمت 10 شهداء من اهلها:
الشهداء الخمسة هم شرف وأشرف ومحمود ومحمد وأحمد القادة في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي كما قدمت أيضا ثلاثة من أحفادها وشقيقها واحد أزواج بناتها، شهداء في عمليات منفصلة.
وكان ابنها أشرف استشهد في اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال الإسرائيلي على حدود فلسطين الشمالية في الأول من يوليو 1991.
أما شرف فقد استشهد في اشتباك مسلح وسط البحر بالقرب من مخيم نهر البارد في الثاني من يناير 1992.
وفي انتفاضة الأقصى، استشهد محمود بعد استهدافه بصاروخ أطلقته طائرة استطلاع على بيته في مخيم يبنا جنوب رفح يوم 17 أكتوبر 2004.
وبعد عام من استشهاد محمود، استشهد محمد بعد استهدافه بصاروخ أطلقته طائرة على سيارته يوم 25 سبتمبر 2005.
وبعد ستة أعوام، استشهد أحمد في عملية اغتيال نفذتها طائرة حربية يوم 29 أكتوبر 2011.
حماس تنعي الخنساء:
قال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية :”إن رسالة أم رضوان تقول للأمة يجب أن تبقى قضية فلسطين القضية الرافعة للخلاف والتشرذم، وقضية القدس هي قضية الصراع الحقيقي ضد العدو.”
وأضاف خلال كلمة ألقها أثناء مشاركته في مراسم التشييع بمسجد الهدى وسط محافظة رفح “نحن نشارك شعبنا وهذا واجب علينا جميعًا، فهؤلاء قادتنا عبدوا الطريق بصبرهم وعنادهم، تنتسب لنا وننتسب لها.”
وأوضح هنية أن كل أمهات الشهداء رمز الجهاد، ورمضان شلح رفيق السلاح، وكل أخواننا وابنائها وقواعد هذه الحركة التي نعتز بجهاداه وتاريخها اننا واياهم نمضي على طريق المقاومة والتحرير والتمكين.
وبين نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن حماس والجهاد صنوان، وجسد واحد قلب واحد وبندقية واحدة ومسيرة واحدة، موضحًا أنه هكذا فعل المجاهدين في الحرب الأخيرة وفي ميادين الثور.
واستطرد هنية :”نودع امرأة عظيمة من أبناء الامة، امرأة مجاهدة وثبتت وتحملت وكانت نموذجا للتضحية والفداء، أم رضوان مضت في سياق التاريخ المعاصر، تاريخ الصراع مع الصهاينة المجرمين.”
وأشار إلى أن تشرف كل رجل حر بزيارة أم رضوان في بيتها، ويقبل رأسها، ويقف أمام الجبل الشامخ، فوجدناها صابرة محتسبة راضية مرضية، فهنئيًا لفلسطين بمثل هؤلاء النسوة وهنيئًا لغزة قاعدة المقاومة والجهاد على طريق التحرير والعودة.
كلنا أولادك:
“يا أم الشهيد كلنا أولادك”، لقد تحققت هذه المقولة في الحاجة فاطمة الجزار، “أم رضوان الشيخ خليل”، التي رحلت عن الحياة الدنيا بعد رحلة عطاء وصبرٍ تليد، فترك رحيلها غصةً في قلوب محبيها و لدى كل من عرفها أو سمع بقصة صبرها وصمودها وثباتها وإيمانها وتضحياتها المنقطعة النظر في تاريخ الأمة الإسلامية، فهي التي زفت خمسة من أبنائها، وشقيقها، وثلاثة أحفاد، وزوج ابنتها شهداء على مذبح الحرية والفداء، فكان حقاً على صفحات التواصل الاجتماعي أن تضج لوقع رحيلها، وكان حقاً على الشارع الفلسطيني أن يتوشح بالسواد حزناً وكمداً على فراقها، إلا أن ما يخفف حزننا على فراقها أنها نالت ما تمنت بعد استشهاد ابنها الخامس أحمد حيث قالت مقولتها المشهورة عند سماعها نبأه استشهاده بصبرٍ واحتساب “رزقت أربعة منهم الشهادة، وألحقت الخامس بهم.. فاجمعني معهم في الفردوس الأعلى”.
قصتها مع أبنائها الخمسة:
حكاية تلقيها نبأ استشهاد أبنائها سأسردها بلسانها فهي الأم التي وقفت إلى جانب أبنائها وساندتهم ودعمتهم ووقفت إلى جانبهم كالجبل الشامخ، ولم يتوقف دورها على خياطة الملابس العسكرية، والرايات الفلسطينية، وإخفاء العتاد العسكرية المتمثلة بالسلاح الأبيض “البلطة والسكين” المعروفة في بداية انتفاضة الحجارة، بل تعدى دورها إلى المشاركة الفعلية في إلقاء الحجارة على جنود الاحتلال، وتسهيل هروب شباب الانتفاضة، وتخليص من يقع منهم وأبناء شعبنا في قبضة جنود الاحتلال، إلى جانب إعداد الزجاجات الحارقة، هكذا كانت “خنساء الأمة” ونساء فلسطين اللواتي تمسكن بحق العودة لفلسطين التاريخية.
ومع اشتداد فتيل انتفاضة الحجارة، كانت قبضة الاحتلال تشتد وتزيد من خناقها على شعبنا، وخاصة الشباب الفاعلين والمؤثرين، فكان اعتقال نجليها شرف وأشرف، وبعد ثمانية عشر شهراً من الاعتقال أفرج عنهم لتبدأ رحلة المطاردة ، والملاحقة، وما هي إلا فترة بسيطة حتى كان استشهاد “شرف” أعز أبنائها على قلبها، فكان الفقدان الأول الأكثر ألماً، ورغم ذلك استقبلت نبأ استشهاده برضا عظيم واستقبلت المهنئين والوافدين، وما هي إلا سنوات حتى تكرر المشهد.. وتقول في أحد اللقاءات معها: “تطارد أبنائي واحداً تلو الأخر، ومع اشتداد الهجمة الصهيونية اضطر أبنائي السفر للخارج، كما كان يفعل المطاردين لتخفيف الضغط على عائلتهم من الاقتحامات التي تكاد تكون شبه يومية، فقررت السفر إليهم، فالتقيت بابني محمد، وسألته عن شقيقه اشرف، فأخبرني أنه في تدريب للضفادع البشرية في عرض البحر فانتظرته على أمل اللقاء”.
وأضاف :” لم يطل انتظاري طويلاً، حتى جاءني أحد قادة المقاومة، وزف إليّ خبر استشهاد ابني اشرف في عملية فدائية، طالباً مني الصبر والاحتساب على ارتقاء ابني الثاني”، فرددت عليه بعد صمت للحظة: “الله يرحمك ويجمعنا بك وبأخيك في جنات النعيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون”، فبكى كل الحضور لكنها حبست دمعتها، حتى لا تشعر شقيقه محمد بالضعف والهوان.
وتكمل أم رضوان فصول معاناتها بفقدانها أبنائها الخمسة قائلة بصوت شاحب حزين: “ذات يوم وأثناء وجودنا في المنزل استهدفت طائرات الاستطلاع منزلنا فاستشهد محمود.. حزنت عليه كثيراً كونه أصغر أبنائي، ولكن ما صبرني أنه بإذن الله تعالى، سيلتقي بإخوانه، وما هو إلا عام فقط حتى قصفت طائرات العدو سيارة مرسيدس كان ابني محمد بداخلها واستشهد هو الآخر، وأنا أرى أبنائي يساقون إلى الجنة كالملوك، فودعت ريحانة الدار كما ودعت إخوته من قبل”.
وبعد مدة ليست بالطويلة جاءها نبأ استشهاد ابنها الخامس الذي يعتبر أحد قادة وحدة الهندسة والتصنيع بسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، فاستقبلت نبأ استشهاد بثبات وصبر تليد، لكنها طلبت هذه المرة من الله -عز وجل- أن أكرمها باستشهاد أبنائها يجمعها بهم في مستقر رحمته في الفردوس الأعلى.
مدرسة العطاء وأم لكل الأطهار:
لم تكن أم رضوان كما النساء اللاتي يقضين بقية حياتهن بين الدموع والحسرة، بل كان الإيمان بالله وما وعد الله يملأ صدرها، وإذا ما تحدثت معها، تجد لسانها يلهج بالرضا والإيمان بقضاء الله وقدره، لكنها لم تخفِ يوما قلقها الشديد على مستقبل أبناء أبنائها الشهداء من بعد رحيلها رغم ثقتها بالله أنه لن يضيعهم، حيث أنها كانت تطمح أن تعدهم على ذات الدرب الذي ارتقى فيه أباءهم نحو وعد الله، لم يكن خوفها على لقمة عيش أو مأوى يأوي إليه أطفال أبنائها الشهداء، بقدر قلقها أن تصبح الدنيا أكبر همهم فتنحرف بوصلتهم عن فلسطين.
كانت ترى فيهم الذي يصلح أن يخدم قضيته من خلال الخطابة والدعوة، والبعض الأخر من خلال سلك التعليم والطب والإعلام والتصنيع والعسكرية والرياضة .. نعم كانت ترى في كل واحدٍ من أحفادها صفة تميزه عن الآخر تجعله يمكن أن ينجح في هذا المجال دون هذا، وكأنها تعد العدة لجيل من القادة لتحرير فلسطين والقدس.