مفهوم – أيام العشر من ذي الحجة من أعظم المواسم التي امتن الله تعالي بها علينا، فهي باب عظيم من أبواب تحصيل الحسنات ورفع الدرجات وتكفير السيئات، والموفق من اغتنمها وحاز على رضا الله تعالى، فهي أفضل أيام الدنيا لاجتماع أمهات العبادة فيها، وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يتأتى ذلك في غيرها، وهي الأيام التي أقسم الله تعالي بها في كتابه بقوله تعالي: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ}[ الفجر:1-2]
فهي أفضل من أيام العشر الأخير من رمضان، وهي أعظم الزمن بركةً؛ إذ لها مكانةٌ عظيمةٌ عند الله تعالى، تدلُّ على محبَّته لها وتعظيمه لها؛ فهي عَشْرٌ مباركاتٌ كثيرةُ الحسنات، قليلة السيِّئات، عالية الدَّرجات، متنوِّعة الطَّاعات.
ويحتاج المسلم حالَ غفلته ولهوه إلى تذكيرٍ بالله والآخرة؛ فالأولاد والأموال ألهتْنا كثيرًا عن ذكر الله وطاعته، وسعيُنا لتحصيل قدرٍ أكبر من الرَّفاهية والشهوات حطَّم قدراتنا في تحمل الكثير من العبادات، والصبر عن المحرمات؛ حتى أضحت أجسادنا لا تتحمَّلُ طول القيام والقنوت، وكثرة الرُّكوع والسُّجود، وقضاءَ الليل في القرآن والذكر. وكل ذلك إنَّما حصل لمَّا تعلَّقت القلوب بغير الله تعالى؛ فالقلوب إذا صلحت صـلحت معها الأجساد، وإذا فَسَدَتْ أفْسَدَتْها حتى تَثَّاقَل عن الخيرات، وتُسارع في المنكرات؛ ولكن يبقى الأمل في عفو الله ورحمته وتوفيقه؛ إذ تذكرنا مواسمُ الخيرات وهذا أحدها يقترب منا، فماذا أعددنا له من توبة ومن عمل صالح؟!
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: “السعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه، بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادةً، يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات”.
وقال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله: “ما من يوم أخرجه الله إلى أهل الدنيا إلا ينادي: ابن آدم، اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي، ولا ليلة إلا تنادي: ابن آدم، اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي”.
أقوال وأحوال السلف الصالح في هذه الأيام:
– كان سعيد بن جبير رضى الله عنه إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادًا شديدًا حتى ما يكاد يقدر عليه، أي: يجتهدون اجتهادًا عظيمًا لا يستطيع أحدٌ أن يلحق بهم بهذا الاجتهاد في تلك الأيام، وروي عنه أنه قال: (لا تطفئوا سرُجُكم ليالي العشر)، تعجبه العبادة.
– وجاء أن السلف رضي الله عنهم كانوا يعظمون ثلاث عشرات عشر رمضان الأخير، وعشر ذي الحجة الأول، وعشر المحرم الأول.
وكانوا يعدون عمل اليوم فيه بأعمال أيامٍ كثيرة كما ذُكِر عن بعضهم، يعني: هذه الأيام بآلاف الأيام من الأعمال الصالحة.
– قال ابن رجب رحمه الله: إذا كان العمل في أيام العشر أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيره من أيام السنة كلها، صار العمل فيها وإن كان مفضولاً أفضل من العمل في غيرها وإن كان فاضلاً، ومعنى ذلك: أن العمل المفضول الذي رتبته أقل يمكن أن يصبح هو الأفضل عندما يؤدى في هذه الأيام؛ لعموم فضيلتها، وعظمة فضيلتها، وتأكيد هذا التفضيل بالمقارنة بالجهاد.
أيهما أفضل عشر ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان:
سُئل ابن تيمية رحمه الله تعالى، عن عشر ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فقال: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة.
قال ابن القيم: وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافيًا كافيًا، فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة، وفيها: يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم التروية.
وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء، التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحييها كلها، وفيها ليلة خير من ألف شهر.فمن أجاب بغير هذا التفصيل، لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة.
فضائل العشر من ذي الحجة:
(1) أنَّ الله تعالى أقسم بها فقال: {وَلَيالٍ عَشْرٍ}[1]، ولا يقسم الله تعالى إلا بعظيم، ولا يجوز لخلقه أن يقسموا إلا به، فالقَسَم بها يدلُّ على عظمتها ورفعة مكانتها وتعظيم الله تعالى لها.
(2) أن الله تعالى سماها الأيام المعلومات فقال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}[الحج:28]، نقل البخاري في صحيحه عن ابن عباس قوله في هذه الأيام أنها: أَيَّامُ العَشْرِ.
(3) أنَّ الله تعالى قرنها بأفضل الأوقات، والقرين بالمقارَن يقتدي؛ فقد قرنها بالفجر، وبالشفع والوتر، وبالليل.
أما اقترانها بالفجر: فلأنه الذي بحلوله تعود الحياة إلى الأبدان بعد الموت، وتعود الأنوار بعد الظُّلْمَة، والحركة بعد السكون، والقوَّة بعد الضعف، وتجتمع فيه الملائكة، وهو أقرب الأوقات إلى النزول الإلهي في الثُّلُث الأخير من الليل، وبه يُعرف أهل الإيمان من أهل النفاق.
وقرنها بالشفع والوتر: لأنهما العددان المكوِّنان للمخلوقات، فما من مخلوق إلا وهو شفعٌ أو وترٌ، وحتى العَشْر فيها شفعٌ، وهو النحر، وفيها وترٌ، وهو يوم عرفة.
وقرنها بالليل لفضله؛ فقد قُدِّم على النهار، وذُكِرَ في القرآن أكثر من النهار، إذ ذُكِرَ اثنتين وسبعين مرَّة، والنهار سبعًا وخمسين مرَّة، وهو أفضل وقتٍ لنَفْل الصَّلاة، وهو أقرب إلى الإخلاص؛ لأنه زمن خُلْوَةٍ وانفراد، وهو أقرب إلى مراقبة الله سبحانه وتعالى؛ إذ لا يراه ولا يسمعه ولا يعلم بحاله إلا الله، وهو أقرب إلى إجابة الدُّعاء وإلى إعطاء السؤال ومغفرة الذنوب؛ إذ يقول الله تعالى في آخِره: (هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟)[2] وقال بعض السلف: (لولا الليل ما أحببتُ العَيْش أبدًا)
(4) أنَّ الله تعالى أكمل فيها الدِّين؛ إذ تجتمع فيها العبادات كلِّها، وبكمال الدِّين يَكْمُل أهله، ويَكْمُل عمله، ويَكْمُل أجره، ويعيشون الحياة الكاملة التي يجدون فيها الوقاية من السيئات، والتلذُّذ بالطَّاعات، وقد حسدنا اليهود على هذا الكمال؛ قال حَبْرٌ من أحبار اليهود لعمر رضي الله عنه: آيةٌ في كتابكم لو نزلت علينا معشر اليهود؛ اتَّخذنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدًا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِينًا}[المائدة:3]. قال عمر رضي الله عنه: “إني أعلم متى نزلت، وأين نزلت، نزلت يوم عرفة في يوم جمعة”. وكمال الدِّين يدلُّ على كمال الأمَّة وخيريَّتها.
(5) أن العبادات تجتمع فيها ولا تجتمع في غيرها، فهي أيام الكمال، ففيها الصلوات كما في غيرها، وفيها الصَّدقة لمَنْ حال عليه الحَوْل فيها، وفيها الصوم لمَنْ أراد التطوع أو لم يجد الهَدْي، وفيها الحجُّ إلى البيت الحرام ولا يكون في غيرها، وفيها الذِّكْر والتَّلْبية التي تدلُّ على التوحيد، وفيها الدعاء، واجتماع العبادات فيها شرفٌ لها لا يضاهيه فيه غيرها، ولا يساويها سواها.
(6) أنها أفضل أيام الدُّنيا على الإطلاق، دقائقها وساعاتها وأيامها وأسبوعها، فهي أحبُّ الأيام إلى الله تعالى، والعمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله ؛ فهي موسم للرِّبح، وهي طريق للنَّجاة، وهي ميدانُ السَّبْق إلى الخيرات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم “أفضل أيام الدنيا أيام العشر”[3] وقال أيضًا: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”[4]، وهذا يدل على أن العمل في أيام العشر أفضل من الجهاد بالنفس، وأفضل من الجهاد بالمال، وأفضل من الجهاد بهما والعودة بهما أو بأحدهما؛ لأنه لا يَفْضُل العمل فيها إلا مَنْ خرج بنفسه وماله، ولم يرجع لا بالنفس ولا بالمال. وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال :(كان يُقال في أيام العَشْر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم)؛ أي: في الفضل.وروي عن الأوزاعي قال :(بلغني أنَّ العمل في يوم من أيام العَشْر كقدر غزوةٍ في سبيل الله، يُصام نهارها ويُحرَس ليلها؛ إلاَّ أنْ يختصَّ امرؤٌ بالشَّهادة).
(7) فيها يوم التروية: وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، سُمى به لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء لما بعده، أي يستقون ويسقون.
(8) فيها يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجَّة، وهو يومٌ معروفٌ بالفضل وكثرة الأجر وغفران الذنب؛ فهو يومٌ مجيدٌ، يعرف أهله بالتوحيد؛ إذ يقولون: لا إله إلا الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير”[5]، ويعرف الإنسان ضعف نفسه؛ إذ يُكْثِر من الدُّعاء، ويلحُّ على الله في الدُّعاء، ويعرف إخوانه المسلمين الذين اجتمعوا من كلِّ مكانٍ في صعيدٍ واحد، ويعرف عدوَّه الذي ما رُئِيَ أصغر ولا أحقر منه في مثل يوم عرفة، ويعرف كثرة مغفرة الله لعباده في هذا اليوم؛ لكثرة أسباب المغفرة، من توحيد الله، ودعائه، وحفظ جوارحه، وصيامه (لغير الحاجِّ).وهو يوم الحجِّ الأعظم؛ الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: “الحج عرفة”[6]، وصومه تطوُّعًا يكفِّر ذنوب سنتين: سنة ماضية وسنة مقبِلة، وما علمتُ هذا الفضل لغيره؛ فكأنه حفظ للماضي والمستقبل.
(9) فيها يوم النَّحر، وهو اليوم العاشر من ذي الحجَّة، وهو أفضل الأيام، وفيه معظم أعمال النُّسُك: من رمي الجمرة، وحَلْق الرَّأس، وذبح الهَدْي، والطَّواف، والسَّعي، وصلاة العيد، وذبح الأُضحية، واجتماع المسلمين في صلاة العيد، وتهنئة بعضهم بعضًا.
ففضائل العَشْر كثيرةٌ؛ لا ينبغي للمسلم أن يضيِّعها؛ بل ينبغي أن يغتنمها، وأن يسابِق إلى الخيرات فيها، وأن يشغلها بالعمل الصَّالح.
ليالي العشــر أوقـات الإجابــة *** فبــادر رغبــة تلحق ثوابه
ألا لا وقــت للعمـــــال فيـــــه *** ثواب الخير أقرب للإصابة
من أوقات الليالي العشـر حـقا *** فشمــر واطلبن فيها الإنابـة
ما يستحب فعله في هذه الأيام:
– التوبة إلى الله: فعلينا استقبال هذه الأيام بأن نبرأ إلى الله تعالى من كل معصية كنا نعملها، والإقلاع عن كل ما نهى تعالى عنه.فالمعاصي سبب البعد والطرد، والطاعات أسباب القرب والود، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ”[7]
– تجديد النية باغتنام هذه الأيام فيما يرضي الله: فحري بالمسلم استقبال مواسم الخير عامة بالعزم الأكيد على اغتنامها بما يرضي الله سبحانه وتعالى. فلنحرص على اغتنام هذه الفرصة السانحة، قبل أن تفوت فلا ينفع الندم حينئذ.
– الإكثار من الأعمال الصالحة عمومًا لقوله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام يعني أيام العشر…”[8] فالعمل الصالح محبوب لله تعالى في كل زمان ومكان، ويتأكد في هذه الأيام المباركة، وهذا يُعني فضل العمل فيها، وعظم ثوابه، فمن لم يمكنه الحج فعليه أن يعمر وقته في هذه العشر بطاعة الله تعالى، من الصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والصدقة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وغير ذلك من طرق الخير، وهذا من أعظم الأسباب لجلب محبة الله تعالى.
قال ابن رجب رحمه الله: (لما كان الله سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادرًا على مشاهدته كل عام، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركًا بين السائرين والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته، يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج).
– الحرص على الصلاة في جماعة، والحرص على الوقوف في الصف الأول في الجماعة، والإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات لله تعالي فعن ثوبان رضي الله عنه قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “… عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً”[9]
– يكثر من الصيام في أيام العشر ولو صام التسعة الأيام لكان ذلك مشروعًا؛ لأن الصِّيام من العمل الصالح، فعن هنيدة بن خالد عن امرأته قالت: “حدثتني بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم عاشوراء وتسعاً من ذي الحجة وثلاثة أيام من الشهر أول اثنين من الشهر وخميسين”[10] وأما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنه ما صام العَشْر؛ فالمراد إخبار عائشة عن حاله عندها، وهو عندها ليلةٌ من تسع، ولربَّما تَرَكَ الشيء خشية أن يُفرض على أمَّته، ولربَّما تَرَكَه لعذرٍ من مرض أو سفر أو جهاد أو نحوه، وإذا تعارض حديثان أحدهما مُثبِت والآخَر نافي؛ فإننا نقدِّم المثبت على النافي، لأن عنده زيادة علم.
قال ابن رجب الحنبلي: “وممن كان يصوم العشر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما”. ويقول أكثر العلماء أو كثير منهم بفضل صيام هذه الأيام.
– ذكر الله تعالى والتكبير: قال ابن رجب الحنبلي: وأما استحباب الإكثار من الذكر فيها فقد دل عليه قول الله عز وجل: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}[الحج:28]. فإن الأيام المعلومات هي أيام العشر عند جمهور العلماء. وروى البخاري في صحيحه :”وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا”.
وروى أيضا: “وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى، فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ اْلأَسْوَاقِ، حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ اْلأَيَّامَ، وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَعَلَى فِرَاشِهِ، وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ اْلأَيَّامَ جَمِيعًا. وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ”.
فليكثر المسلم من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير فعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ”[11] وحري بنا نحن المسلمين أن نحيي هذه السنة التي قد أضيعت في هذه الأزمان، وتكاد تُنسى حتى من أهل الصلاح والخير بخلاف ما كان عليه السلف الصالح، تكبر في المسجد وفي بيتك وفي السوق وفي طريقك، وذكر به أهلك وعود أولادك على ذلك.
والتكبيرُ نوعان: مطلق ومقيد، فالتكبير المطلق في سائر الوقت من أول العشر إلى آخر أيام التشريق, والتكبير المقيد فيكون في أدبار الصلوات المفروضة ويبدأ من فجر يوم عرفة (لغير الحاج) إلى عصر آخر أيام التشريق مقيدًا، (أما الحاجُ) فيبدأ من حين يرمي جمرةَ العقبة يوم العيد. وقد دل على مشروعية ذلك الإجماع، وفعلُ الصحابة رضي الله عنهم، وصيغ التكبير:
1- الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً.
2- الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
3- الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
– قيام الليل: قال ابن رجب الحنبلي: وأما قيام ليالي العشر فمستحب. وورد إجابة الدعاء فيها. واستحبه الشافعي وغيره من العلماء. وقال صلى الله عليه وسلم: “عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم و قربة إلى الله تعالى ومنهاة عن الإثم و تكفير للسيئات”[12].
– أداء الحج والعمرة: وهما واقعان في العشر، باعتبار وقوع معظم مناسك الحج فيها، ولقد رغب النبي -صلى الله عليه وسلم- في هاتين العبادتين العظيمتين، وحث عليهما؛ لأن في ذلك تطهيرًا للنفس من آثار الذنوب ودنس المعاصي، ليصبح أهلاً لكرامة الله تعالى في الآخرة. فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ”[13]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : “مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ”[14].
– يُكْثِرُ من الصدقة في العَشْر؛ إذ الصَّدقة فيها أفضل من الصَّدقة في رمضان، وما أكثر حاجات الناس في العَشْر من النفقة والاستعداد للحج وللعيد وطلب الأضحية ونحوها، وبالصَّدقة ينال الإنسان البرَّ، ويضاعَف له الأجر، ويُظلُّه الله في ظلِّه يوم القيامة، ويفتح بها أبواب الخير، ويغلق بها أبواب الشرِّ، ويفتح فيها باب من أبواب الجنة، ويحبَّه الله ويحبَّه الخَلْق، ويكون بها رحيمًا رفيقًا، ويزكي ماله ونفسه، ويغفر ذنبه، ويتحرَّر من عبودية الدِّرهم والدِّينار، ويحفظه الله في نفسه وماله وولده ودنياه وآخِرته.
– تلاوة القرآن قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:29-30]، وقال صلى الله عليه وسلم: “من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف”[15]
– صلة الأرحام: قال صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام”[16] وقال صلى الله عليه وسلم: “الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ”[17].