أحكام الطهارة

مفهوم – ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1]،والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا،أما بعد:

فإن الطهارةَ لها أحكام فقهية يجب على المسلم أن يتعرف عليها؛ لكي تكون عبادته صحيحة،ونبدأ بتعريف الطهارة :

معنى الطهارة:

الطهارة في اللغة: النزاهة عن الأقذار.

الطهارة في الشرع: رفع ما يمنع الصلاة من حدثٍ أو نجاسةٍ بالماء، أو رفع حكمه بالتراب؛ (المغني لابن قدامة جـ 1 صـ 12).

 

الطهارة واجبة بالكتاب والسنَّة:

قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ﴾ [المائدة: 6].

وقال سبحانه: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر: 4].

روى مسلمٌ عن ابن عمر، قال: إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تُقبَل صلاة بغير طُهورٍ، ولا صدقة من غُلولٍ))؛ (مسلم – حديث: 224).

أنواع الطهارة:

تنقسم الطهارة إلى نوعين:

الأول: طهارة حقيقية: كالطهارة بالماء.

الثاني: طهارة حُكميَّة: كالطهارة بالتراب في التيمم؛ (فقه السنة للسيد سابق جـ 1 صـ 16).

أقسام المياه:

تشتمل المياه على قسمين:

أولًا: الماء المُطلَق (الطَّهور)، وهو: الماء الباقي على أصل خِلقته، ويتضمن كل ما نزل من السماء، أو نبع من الأرض.

قال الله تعالى: ﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ﴾ [الأنفال: 11].

ويدخُلُ في هذا الماء المُطلَق: مياه الأنهار، والأمطار، والبحار، والآبار، والينابيع، والثلج، والبرد، ؛ (المغني لابن قدامة جـ 1 صـ 15).

الماء الذي خالطه طاهر:

الماء المُطلَق الذي خالطه شيء طاهر؛ كالصابون أو الزعفران أو الدقيق، فغيَّر أحد أوصافه؛ كاللون أو الطعم أو الرائحة – يعتبر طاهرًا ما دام حافظًا لإطلاقه،فإن خرج عن إطلاقه، كان طاهرًا في نفسه، غير مُطهِّر لغيره.

الماء المتغير بطول المكث، أو بمخالطته ما لا ينفصل عنه غالبًا؛ كالطحالب وأوراق الشجر، فإن اسم الماء الطَّهور ينطبق عليه؛ (المغني لابن قدامة جـ 1 صـ 20: صـ 23).

ثانيًا: الماء النجس:

هو الماء الذي خالطته نجاسة فغيَّرَتْ ريحه أو طعمه أو لونه، وحُكمه أنه لا يجوز استخدامه في شيء من العبادات أو العادات؛ (فتاوى ابن باز جـ 10 صـ 14: صـ 15).

الماء المستعمل:

هو الماء المتساقط من أعضاء المتوضئ، وحُكمه أنه طاهر ومُطهِّر لغيره، طالما لم تخالطه نجاسة؛ (المغني لابن قدامة جـ 1 صـ 31: صـ 32)، (المحلى لابن حزم جـ 1 صـ 183) (فتاوى ابن تيمية جـ 20 صـ 519).

روى البخاري عن المِسْوَر بن مخرمة قال: وإذا توضَّأ النبي صلى الله عليه وسلم كادوا يقتتلون على وضوئه؛ (البخاري – حديث: 189).

روى أبو داود عن الربيع: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماءٍ كان في يده؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني – حديث: 120).

السُّؤر:

معنى السُّؤر:

السُّؤر: هو ما بقي في الإناء بعد الشُّرب.

أنواع السُّؤر.

(1) سؤر الإنسان:

سؤر الإنسان طاهر، سواء كان هذا الإنسان مسلمًا أو غير مسلم.

أما قوله تعالى عن المشركين: ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [التوبة: 28]، فالمرادُ به نجاستُهم المعنوية من جهة اعتقادهم الباطل وشِرْكهم بالله تعالى.

(2) سؤر ما يُؤكَل لحمه:

سؤر ما يؤكل لحمه طاهرٌ؛ لأن لُعابَه مُتولِّد مِن لحمٍ طاهرٍ.

(3) سؤر الهِرَّة:

سؤر الهرة – أي: القِطَّة -: طاهر.

روى أبو داود عن كبشة بنت كعب بن مالكٍ – وكانت زوجة ابن أبي قتادة -: أن أبا قتادة دخل فسكبت له وضوءًا، فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟! فقلت: نعم،فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنها ليست بنجسٍ؛ إنها من الطوافين عليكم والطَّوَّافات))؛ (حديث حسن صحيح) (صحيح أبي داود للألباني – حديث: 78).

(4) سؤر البِغال والحمير:

سؤر البغال والحمير طاهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يركبونهما، فلو كان سؤرهما نجسًا، لبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولأنهما مما لا يمكن التحرز منها لمقتنيهما، فأشبها الهِرة؛ (المغني لابن قدامة جـ 1 صـ 66: صـ 68).

قال ابن تيمية – رحمه الله -: أما سؤر البغل والحمار فأكثر العلماء يجوِّزون التوضؤ به؛كمالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه؛ (فتاوى ابن تيمية جـ 21 صـ 620).

(5) سؤر الكلب والخنزير:

سؤر الكلب والخنزير نجس، لا يجوز استخدامه في شيء.

روى مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليُرِقْه، ثم ليغسله سبع مِرَارٍ))؛ (مسلم – حديث: 279).

وأما سؤر الخنزير: فلقذارته ونجاسته؛ (المغني لابن قدامة جـ 1 صـ 64: صـ 73).

(6) سؤر سباع البهائم والطيور:

سباع البهائم: هي الحيوانات التي تأكل وتفترس؛ كالذئب، والأسد، والضبع، والنمر، والفهد، وابن آوى، وما أشبه ذلك، وسباع الطير؛ كالنَّسر؛ (الشرح الممتع لابن عثيمين جـ 1 صـ 322).

وبالنسبة لحكم آسَار هذه السِّباع نقول:

إن كان الماء كثيرًا لا يتغير بشربها منه فهو طَهور، وإن كان الماء قليلًا وتغير بسبب شربها منه فإنه نجس؛ (الشرح الممتع لابن عثيمين جـ 1 صـ 325).

النجاسات:

معنى النجاسة:

النجاسة: هي القذارة التي يجب على المسلم أن يتنزه عنها، ويغسل ما أصاب جسده أو ثيابه منها.

قال تعالى: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر: 4].

وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222].

روى مسلمٌ عن أبي مالكٍ الأشعري، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((الطُّهور شطر الإيمان))؛ (مسلم – حديث: 223).

أنواع النجاسات:

النجاسة نوعان: نجاسة حسية، ونجاسة معنوية.

ومِن النجاسة المعنوية ما جاء في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [التوبة: 28]؛ وذلك لفساد اعتقادهم، وشِركهم بالله تعالى.

 

أنواع النجاسات الحسية:

(1) بَوْل الإنسان وغائطه.

روى أبو داود عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا وَطِئَ أحدكم بنَعْله الأذى، فإن التراب له طَهور))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني – حديث: 834).

روى الشيخانِ عن أنس بن مالكٍ: أن أعرابيًّا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعوه، وأهريقوا على بوله ذَنُوبًا من ماءٍ، أو سَجْلًا من ماءٍ؛ فإنما بُعثتم مُيسِّرين، ولم تبعثوا مُعسِّرين))؛ (البخاري – حديث: 6025 / مسلم – حديث: 284).

(2) المَذْي والوَدْي:

المَذْي:

ماء أبيض رقيق، لزج، يخرج عند الشهوة، بلا تدفُّق، ولا يعقبه فتور، وربما لا يُحسُّ الإنسان بخروجه، ويكون غالبًا في الرجل والمرأة.

الوَدْي:

ماء أبيض غليظ، يخرج عقب البول غالبًا؛ (فقه السنة للسيد سابق جـ 1 صـ 27).

روى الشيخانِ عن عليِّ بن أبي طالبٍ قال: كنت رجلًا مَذَّاءً، فأمرت رجلًا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لمكان ابنته، فسأل، فقال: ((توضَّأْ، واغسل ذكَرك))؛ (البخاري – حديث: 269 / مسلم – حديث: 303).

روى البيهقي عن عبدالله بن عباس، قال: المَنِيُّ والوَدْيُ والمَذْيُ،أما المني فهو الذي منه الغُسل، وأما الوَدْي والمَذْي فقال: ((اغسل ذكرك أو مذاكيرك، وتوضأ وضوءك للصلاة))؛ (صحيح) (السنن الكبرى للبيهقي – 1 صـ 170).

(3) بول ورَوْث ما لا يؤكل لحمه:

روى البخاري عن عبدالله بن مسعودٍ، قال: أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الغائطَ، فأمرني أن آتيَه بثلاثة أحجارٍ، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده، فأخذتُ رَوْثةً فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الرَّوْثة، وقال: ((هذا رِكْسٌ “نجس”))؛ (البخاري – حديث: 156).

هذا الحديث دليل على أن رَوْثة ما لا يؤكل لحمه نجسة.

(4) المَيْتة: وهي كل ما مات حَتْفَ أنفه من غير تَذْكية؛ أي: قبل أن يذبح، ويدخل في ذلك ما قُطِع من الحيوان وهو حي.

روى أبو داود عن أبي واقدٍ، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما قُطع مِن البهيمة وهي حيَّة فهي مَيْتة))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني – حديث: 2485).

ويُستثنى من الميتة ما يلي:

(أ) السمك والجراد:

روى ابن ماجه عن عبدالله بن عمر: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُحِلَّتْ لكم ميتتان ودمَانِ، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدَّمَانِ فالكبد والطِّحال))؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني – حديث: 3679).

(ب) ميتة ما لا دم له سائل: كالنمل والنحل والذباب ونحوها.

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا وقَع الذباب في إناء أحدكم، فليغمسه كله، ثم ليطرحه؛ فإن في أحد جَناحيه شفاءً، وفي الآخر داءً))؛ (البخاري – حديث: 3320).

(ج) عِظام الميتة وقرونها وشَعَرها وريشها:

قال البخاريُّ: قال حماد: لا بأس بريش المَيْتة،وقال الزهري في عظام الموتى نحو الفيل وغيره: أدركتُ ناسًا من سلف العلماء يمتشطون بها، ويدهنون فيها، لا يرون به بأسًا،وقال ابن سِيرينَ وإبراهيمُ: ولا بأس بتجارة العاجِ؛ (البخاري – كتاب الوضوء – باب 67).

(5) لُعاب الكلب:

روى مسلمٌ عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((طُهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب: أن يغسِلَه سبع مراتٍ، أُولاهن بالتراب))؛ (مسلم – حديث: 279).

(6) لحم الخنزير:

قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 145].

(7) الجَلَّالة:

هي الحيوانات والطيور التي تعيش على القاذورات معظمَ الوقت حتى يتغيَّر ريحُها بالنجاسة.

روى النسائيُّ عن عبدالله بن عمرٍو: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبرَ عن لحوم الحُمُرِ الأهليَّة، وعن الجَلَّالة، وعن ركوبها، وعن أكل لحمها))؛ (حديث صحيح) (صحيح النسائي للألباني جـ 3 صـ 197).

روى النسائيُّ عن ابن عباسٍ قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن المُجَثَّمَةِ، ولبن الجَلَّالة، والشُّرب من فِي السقاء))؛ (حديث صحيح) (صحيح النسائي للألباني جـ 3 صـ 197).

المُجثَّمَة: هي كل حيوان يُنصَب ويرمى ليقتل، إلا أنها تكثر في الطير والأرانب وأشباه ذلك، مما يجثم في الأرض؛ أي: يلزمها ويلتصق بها، وجثم الطائر جثومًا، وهو بمنزلة البروك للإبل؛ (النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير جـ 1 صـ 232).

(8) الدم:

قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 145].

روى الشيخانِ عن أسماءَ قالت: جاءت امرأةٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب، كيف تصنع؟ قال: ((تَحُتُّه ثم تقرصه بالماء وتنضحه وتصلي فيه))؛ (البخاري – حديث: 227 / مسلم – حديث: 291).

ويستثنى من الدم: الكبِد والطِّحال.

روى ابن ماجه عن عبدالله بن عمر: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُحِلَّتْ لكم ميتتانِ ودمَانِ، فأما الميتتانِ فالحوت والجراد، وأما الدَّمَانِ فالكبد والطِّحال))؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني – حديث: 3679).

حُكم دمِ الإنسان:

دمُ الإنسانِ الخارجُ من غير السبيلين طاهر؛ وذلك بدليل الأمور التالية:

(1) أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل دم الحيض فقط، ولم يأمر بغسل غيره من الدماء التي تخرج من جروح الإنسان ونحوها، مع كثرة ما يحدُثُ ذلك للصحابة، فلو كان نجسًا لبيَّنه؛ (فتاوى ابن تيمية جـ 21 صـ 228)، (فتاوى ابن عثيمين جـ 4 صـ 200).

(2) المُسلِمون لا يزالون يُصلُّون في جراحاتهم منذ عهد الصحابة والتابعين.

روى البخاري تعليقًا عن الحسن البصري قال: ما زال المسلمون يُصلُّون في جراحاتهم، وقال طاوس ومحمد بن عليٍّ وعطاء وأهل الحجاز: ليس في الدمِ وضوء، وعصَر ابن عمر بثرةً – أي: جُرحًا – فخرج منها الدم، ولم يتوضَّأ، وبزق ابن أبي أوفى دمًا فمضى في صلاته، وقال ابن عمر والحسن فيمن يحتجم: ليس عليه إلا غَسل محاجمه.

ويذكر عن جابرٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان في غزوة ذاتِ الرقاع، فرُمي رجلٌ بسهمٍ، فنزفه الدم، فركع وسجد ومضى في صلاته؛ (البخاري – كتاب الوضوء باب 34).

• قال الألباني – رحمه الله -: هذا الحديث في حُكم المرفوع؛ لأنه يستبعد عادة ألا يطلعَ النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فلو كان الدم الكثير ناقضًا لبيَّنه صلى الله عليه وسلم؛ لأن تأخيرَ البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، كما هو معلوم من علم الأصول،وعلى فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم خَفِيَ ذلك عليه فما هو بخافٍ على الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، فلو كان ناقضًا أو نجسًا، لأوحى بذلك إلى نبيِّه صلى الله عليه وسلم، كما هو ظاهر لا يخفى على أحدٍ، وإلى هذا ذهب البخاريُّ؛ دل عليه تعليقُه بعض الآثار المتقدمة، واستظهره ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري)، وهو مذهب ابن حزم؛ (تمام المنة للألباني – صـ 52: 51)، (المحلى لابن حزم – جـ 1ـ صـ 102ـ المسألة: 124).

 

تطهير النَّجاسات:

(1) تطهير الثوب مِن بَوْل الرضيع:

إذا بال الرضيع على الثوب، وكان الرضيع أنثى، غسل مكان البول، وإن كان الرضيع ذكرًا فإننا نرش الماء على المكان الذي بال عليه.

روى أبو داود عن أبي السَّمْح قال: كنت أخدُمُ النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أراد أن يغتسل قال: ((وَلِّني قفاك))، فأولِّيه قفاي فأستره به، فأُتِيَ بحَسنٍ أو حسينٍ رضي الله عنهما، فبال على صدره، فجئت أغسله، فقال: ((يُغسَلُ مِن بول الجارية، ويُرَشُّ من بول الغلام))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني – حديث: 362).

(2) تطهير ثوب المرأة من دم الحيض يكون بالغسل بالماء والصابون.

روى الشيخانِ عن أسماء قالت: جاءتِ امرأةٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب، كيف تصنع؟ قال: ((تَحُتُّه (تفركه وتقشره ثم تدلكه بأطراف الأصابع) ثم تقرصه بالماء وتنضحه وتصلي فيه))؛ (البخاري – حديث: 227 / مسلم – حديث: 291).

(3) تطهير ذيل ثوب المرأة:

إذا أصاب ذيلَ ثوبِ المرأة نجاسة فإنها تسير في مكان طاهر، فيتطهر بالتراب، ويجوز لها أن تغسِلَه بالماء.

روى أبو داودَ عن أم ولدٍ لإبراهيم بن عبدالرحمن بن عوفٍ: أنها سألَتْ أم سلمة زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذِر! فقالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُطهِّرُه ما بعده))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني – حديث: 369).

(4) تطهير الثوب مِن المَذْيِ يكون برش الماء على مكان المذي.

روى أبو داود عن أبيه عن سهل بن حنيفٍ، قال: كنت ألقى من المذي شدةً، وكنت أكثر من الاغتسال، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك،فقال: ((إنما يجزيك من ذلك الوضوء))،قلت: يا رسول الله، فكيف بما يُصيب ثوبي منه؟ قال: ((يكفيك بأن تأخذ كفًّا من ماءٍ فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه))؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني – حديث: 195).

(5) تطهير أسفل النعل يكون بدلكه بالتراب.

روى أبو داود عن أبي سعيدٍ الخدري، قال: بينما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القومُ ألقَوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: ((ما حملكم على إلقاء نعالكم؟!))، قالوا: رأيناك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن جبريلَ صلى الله عليه وسلم أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا، أو قال أذًى، وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذًى فليمسحه وليُصَلِّ فيهما))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني – حديث: 605).

(6) تطهير الأرض يكون بصبِّ الماء عليها، أو تركها حتى تجفَّ ويذهبَ أثرُ النجاسة.

روى الشيخانِ عن أبي هريرة قال: قام أعرابيٌّ فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((دَعُوه وهريقوا على بوله سَجْلًا من ماءٍ، أو ذَنُوبًا من ماءٍ؛ فإنما بُعثتم مُيسِّرين، ولم تبعثوا مُعسِّرين))؛ (البخاري – حديث: 279 / مسلم – حديث: 284).

(7) تطهير جِلد الميتة يكون بالدِّباغ.

روى مسلم عن عبدالله بن عباسٍ، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا دُبغ الإهابُ فقد طهُر))؛ (مسلم – حديث: 366).

(8) تطهير الإناء إذا ولغ فيه الكلب:

يُغسَل سبع مرات، أُولاهن بالتراب.

روى مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طُهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسِلَه سبع مراتٍ، أُولاهن بالتراب))؛ (مسلم – حديث: 279).

(9) تطهير الجَلَّالة يكون بحبسها وإطعامها طعامًا طاهرًا مدة من الزمن حتى تتغير رائحة النجاسة، وذلك بسؤال أهل الخبرة.

(10) تطهير السَّمْن ونحوه يكون بإزالة النجاسة وما حولها إذا كان جامدًا، وأما إذا كان مائعًا وغيَّرت النجاسة أحد أوصافه من اللون أو الطعم أو الرائحة تركناه كله.

روى البخاريُّ عن ابن عباسٍ عن ميمونة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن فأرةٍ سقطت في سمنٍ، فقال: ((ألقوها وما حولها فاطرحوه، وكُلوا سمَنْكم))؛ (البخاري – حديث: 235).

تنبيهات مهمة:

(1) إذا خفي علينا موضع النجاسة في ثوب ما، وجب غسله أو استبداله بثوب آخر؛ (المغني لابن قدامة جـ 2 صـ 489).

(2) يجزئ تطهير النجاسات بكل ما يزيل النجاسة، ولا يُشترط الماء فقط.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

شاركها

اترك تعليقاً