أنواع الصدق في الإسلام وأهميته

مفهوم – الصدق من أجَلِّ الأخلاق وأعظمها، وهو منبع كثير من الفضائل الخلقية حيث يتشعب منه الأمانة والعفة والوفاء والشجاعة وغيرها، وهو غير قاصر على صدق القول بل يشمل صدق الفعل والحال، كما قال المحاسبي: “الصدق في ثلاثة أشياء لا يتم إلا بها صدق القلب بالإيمان تحقيقاً، وصدق النية في الأعمال، وصدق اللفظ في الكلام”.

مما لاشك فيه أن أعظم زينة يتزين بها المرء في حياته بعد الإيمان هي زينة الصدق، فالصدق أساس الإيمان كما إن الكذب أساس النفاق ،فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما يحارب الآخر.

والصدق هو الخُلق الذي اتصف به الرسول صلى الله عليه وسلم قبل بعثته حتى لُقِّب بالصادق الأمين، وقد أوضح عليه الصلاة والسلام آثار كل من الصدق والكذب النفسية فقال: «الصدق طمأنينة والكذب ريبة» (رواه الترمذي)،

فالصادق مطمئن النفس منشرح الصدرعالم بأنه أخبر بالحق ونطق بالصدق فلا يخشى أن ينكشف شيء على خلاف ما قاله، وعنده توافق بين ظاهره وباطنه فلا تناقض ولا تعارض، بينما الكذب يُبقي صاحبه في شك وحيرة واضطراب فلا هو مطمئن ولا متوافق مع نفسه لأنه يعلم أنه قال أو فعل خلاف الحق، ولا هو مرتاح في تعامله مع الآخرين، لخوفه أن ينكشف أو يفتضح أمره،

وإضافة لذلك بيّن عليه الصلاة والسلام مآل كل منهما فقال: «إن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صِدّيقًا، والكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً» (متفق عليه).

كما بيّن أثرهما في التعامل بين الناس فقال شأن المتبايعين: «فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما» (متفق عليه).

لا صدق إلا بإخلاص :

والصدق التزام بالعهد ، كقوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)(الأحزاب/23) ، والصدق نفسه بجميع معانيه يحتاج إلى إخلاص لله عز وجل ، وعمل بميثاق الله في عنق كل مسلم ، قال تعالى : (وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ )(الأحزاب/7 ، 8) ، فإذا كان أهل الصدق سيُسألون ، فيكف يكون السؤال والحساب لأهل الكذب والنفاق ؟
والصدق من الأخلاق الأساسية التي يتفرع عنها غيرها ،

يقول الحارث المحاسبي : ” واعلم – رحمك الله – أن الصدق والإخلاص : أصل كل حال ، فمن الصدق يتشعب الصبر ، والقناعة ، والزهد ، والرضا ، والأنس ، وعن الإخلاص يتشعب اليقين ، والخوف ، والمحبة ، والإجلال والحياء ، والتعظيم ، فالصدق في ثلاثة أشياء لا تتم إلا به : صدق القلب بالإيمان تحقيقـًا ، وصدق النية في الأعمال ، وصدق اللفظ في الكلام ” .

أنواع الصِّدق

الصِّدق هو قول الحَقيقة المتفقِّة مع اللِّسان والقلب، كما أنَّ هذا القول يكون متفقاً مع الواقِع، وهو عكْس الكَذِب، وله أنواع عديدة منها:

الصِّدق مع الله تعالى:

وتشمل الالتزام بتأدية العِبادات والطاعات بكلّ حبٍ وإخلاصٍ بعيداً عن الرِّياء. الصِّدق مع النَّاس: يجب على المسلم أن يصدُق في تعامُله مع النَّاس، لما له من فوائِد وأثر إيجابي طيب. الصِّدق مع النَّفس: وتشمل أن يؤمن الشخص بنفسه في جميع أفعاله، ولا يحاوِل أن يكذِب عليها، أو تهيئة أمورٍ لم تحصل أو إيجاد الذرائع والمبررات.

صدق الحال

أن يتطابق ما بين ظاهر المرء وباطنه، فلا يكون مرائيًا أو متظاهرًا بما ليس حقيقة واقعة فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «المتشبع بما لم يُعْطَ كلابس ثوبي زور». وصدق الفعل هو مطابقة فعل الإنسان لقوله، فإن وعد وفى، وإن استعد لأمر أمضاه. وكذب الفعل أشنع من كذب القول؛ لأنه يظهر فيه القصد والعمد بشدة كما فعل إخوة يوسف وجاءوا على قميصه بدم كذب. وقد وردت مخالفة الفعل للقول في معرض التحذير والذم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2].

صدق القول

هو الأشهر والأظهر، فكل قول خالف الحقيقة فهو كذب {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [يونس:69].

أهميّة الصِّدق

الحُصول على الأجر والثواب قي جَميعِ العِبادات؛ لأنّها خالصة لوجه الله تعالى خالية من الرِّياء والكَذِب.

حُسْن العاقِبة في الدنيا والآخرة، فالصِّدق منجاةٌ من كلّ مأزقٍ، ومهما كان الكَذِب مفيداً في بعض المواقِف، إلّا أنَّه بعد فترةٍ سينكشِف ويقع الشَّخص في مشاكِل أكبر.

تيسير الأُمور وتفريجِ الكُرَب والوِقايةِ من الابتلاءاتِ، وإجابَة الدُّعاء. الشُّعور بالطّمأنينَة والراحة النفسيّة، فالكذِب يجعل الشَّخص في خوفٍ وتردد بسبب كذِبه.

اختصارُ الكثير من المشاكِل التي قد تنتج بسبب الكَذب وقَوْل الزُّور وتغييرِ الحقائِق.

اكتساب حبّ الناس، وبناء العلاقات الجيِّدة والطيِّبة معهم، ونشر روح التعاوُن والتآلف، وحبّ الخَير فيما بين الناس. اكتساب ثقة الناس ونظرتها الحَسنة.

الصادق جريء :

والصدق يدعو صاحبه للجرأة والشجاعة ؛ لأنه ثابت لا يتلون ، ولأنه واثق لا يتردد ، ولذلك جاء في أحد تعريفات الصدق : القول بالحق في مواطن الهلكة ، وعبر عن ذلك الجنيد بقوله : حقيقة الصدق : أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب .

درر من أقوال الصالحين والعلماء في الصدق:

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
من كانت له عند الناس ثلاث وجبت له عليهم ثلاث ، من إذا حدثهم صدقهم ، وإذا ائتمنوه لم يخنهم ، وإذا وعدهم وفى لهم ، وجب له عليهم أن تحبه قلوبهم ، وتنطق بالثناء عليه ألسنتهم ، وتظهر له معونتهم “.
أنشد محمود الوراق:
اصدق حديثك إن في الصـ ـق الخلاص من الدنس
ودع الكــذوب لشــأنه خير مـن الكـذب الخرس
وقيل للقمان الحكيم: ألست عبد بني فلان؟ قال بلى. قيل: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: تقوى الله عز وجل ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وترك مالا يعنيني.
وقال بعضهم :من لم يؤد الفرض الدائم لم يقبل منه الفرض المؤقت.قيل: وما الفرض الدائم؟ قال: الصدق.
فنسأل الله الكريم أن يرزقنا الصدق وأن ينزلنا منازل الصديقين.

شاركها

اترك تعليقاً