شرح أركان الصلاة والفرق بينها وبين شروطها

مفهوم – هي عبادة ذات أفعال وأقوال محددة، مبدوءة بالتكبير ومختومة بالتسليم، ولها العديد من الفضائل، فهي إحدى أركان الإسلام، وتعد عماد الدين، كما أنها تحمي الخطايا، وتكفر عن الذنوب، بالإضافة إلى كونها أوّل ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وحكمها واجبة وفرض على كل مسلم بالغ عاقل، وفي هذا المقال سنعرفكم على أركانها.

الأركانُ: جمعُ ركن، والركن في اللغة: جانب الشيء الأقوى.

واصطلاحاً أركان العبادة: ما تتركب منه العبادة ولا تصح بدونها، فأركان الصلاة: ما تتركب منه ماهيَّة الصلاة.

• لا يوجد في الكتاب والسنة تقسيم العبادة إلى أركان وواجبات وسنن، وإنما هذا التقسيم استخلصه العلماء بتتبعهم للنصوص ليقرِّبوا العلم لطالب العلم، وهو أدعى للفهم.

•  الأركان والواجبات والسنن:

أن الأركان لا تسقط لا عمداً ولا سهواً، فلا بد من الإتيان بها ولا تجبر بسجود السهو.

وأما الواجبات فتسقط سهو وتجبر بسجود السهو، وتركها عمداً يبطل الصلاة.

وأما السنن فلا تبطل الصلاة بتركها عمداً ولا سهواً، ولكن يستحب أن يسجد إن سها في سنَّةٍ من عادته الإتيان بها كما سيأتي بإذن الله تعالى.

ما الفرق بين الركن والشرط ؟

ركن الشيء في اللغة جانبه الأقوى، والصلاة في اللغة الدعاء، وفي الشرع: أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، وأركان الصلاة من أجزائها، والفرق بين الشرط والركن، أن ركن الشيء جزء منه داخل فيه، وأما الشرط، فليس من أجزائه، بل هو إما متقدّم عليه ومصاحب له كالطهارة، أو مصاحب له كاستقبال القبلة.

فأركان الصلاة:

أولاً: القيام:

فالقيام ركن من أركان الصلاة إذا كانت الصلاة فرضاً.

ويدل على ذلك:

1- قوله تعالى: ﴿ وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238].

2- حديث عمران بن حصين مرفوعاً: ” صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب ” رواه البخاري.

قال ابن هبيرة في الإفصاح 1 /122: “اتفقوا على أن القيام في الصلاة المفروضة فرض على المطيق له، وأنه متى اخلَّ به مع القدرة عليه لم تصح صلاته”.

يستثنى من وجوب القيام في الفرض:

أ- العريان: وقد تقدم في شروط الصلاة تحت مبحث ستر العورة.

ب- المريض: ويأتي بإذن الله في باب صلاة أهل الأعذار، كما دلّ عليه حديث عمران بن حصين السابق.

ج- العاجز عن القيام لخوف أو حبس أو غير ذلك.

د- المأموم إذا كان خلف الإمام العاجز عن القيام وسيأتي في أحكام الإمامة بإذن الله تعالى.

ويستثنى أيضاً من وجوب القيام من أراد أن يصلي نفلاً ولو كان قادر على القيام، فالنفل يصح قاعداً لحديث عائشة مرفوعاً: ” وكان يصلي ليلاً طويلاً قاعداً ” رواه مسلم. ولحديث “من صلى قاعداً فله نصف أجر القائم” متفق عليه والفظ للبخاري.

ثانياً: تكبيرة الإحرام

ويدل على ذلك:

1- حديث أبي هريرة مرفوعاً: ” إذا قمت إلى الصلاة فاستقبل القبلة فكبر” متفق عليه.

2- حديث علي مرفوعاً: ” مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم ” رواه أبو داود والترمذي.

قال في الإفصاح 1 /123: ” واتفقوا على أن تكبيرة الإحرام من فروض الصلاة ”

وأما بقية التكبير فليست بأركان، فليس شيء من التكبيرات ركن غير تكبيرة الإحرام.

ثالثاً: قراءة الفاتحة:

ويدل على ذلك: حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً: ” لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ” متفق عليه.

والقول بأن الفاتحة ركن في كل ركعة هو قول المذهب بل هو قول جمهور العلماء، وتقدم تفصيل المسألة في صفة الصلاة.

رابعاً: الركوع:

ويدل على ذلك:

1- قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا ﴾ [الحج: 77]

2- حديث أبي هريرة مرفوعاً: ” إذا قمت إلى الصلاة فاستقبل القبلة… ثم أركع حتى تطمئن راكعاً ” متفق عليه.

قال ابن حزم في مراتب الإجماع (صـ26 ـ): ” واتفقوا على أن الركوع فرض ”

خامساً: الاعتدال من الركوع (ويدخل فيه الرفع منه ):

المذهب وهو القول الراجح والله أعلم: أن الاعتدال من الركوع ركن من أركان الصلاة.

ويدل على ذلك:

1- حديث أبي هريرة مرفوعاً في المسئ صلاته وفيه:”.. ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تعتدل قائماً..” متفق عليه، ولابن ماجة ” حتى تطمئن قائماً ” قال ابن حجر: ” وإسناده على شرط مسلم “.

2- حديث أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود ” رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه.

3- حديث أبي قتادة مرفوعاً: ” أشر الناس سرقة الذي يسرق من صلاته ” فقالوا: يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها، أو قال: لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ” رواه أحمد.

4- مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على فعله وقال: ” صلوا كما رأيتموني أصلي ” رواه البخاري عن مالك بن حويرث.

ويستثنى من هذا: الركوع الثاني وما بعده في صلاة الكسوف ومعلوم أن صلاة الكسوف ركعتان، في كل ركعة ركوعان فالركوع الثاني من كل ركعة سنة يعني لو صلى الإنسان صلاة الكسوف ركعتين كالصلاة المعتادة في الفجر مثلاً أو العيد فصلاته صحيحة لأنه ترك سنة.

وكذلك يستثنى من عجز عن الاعتدال لمرض بحيث لا يستطيع أن يعدل صلبه.

سادساً: السجود:

ويدل على ذلك:

1- قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ﴾ [الحج: 77]

2- حديث أبي هريرة في المسيء في صلاته مرفوعاً وفيه: ” ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ” متفق عليه.

• ونقل الإجماع على أن السجود ركن ابن هبيرة في الإفصاح 1 /123، وابن حزم في مراتب الإجماع (صـ26ـ)

وسبق في صفة الصلاة أنه لا يكفي مجرَّد السجود بل لا بد أن يكون على الأعضاء السبعة، فمن أخلَّ بها لم يأت بالركن على وجهه الصحيح لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” أمرنا أن نسجد على سبعة أعضاء، الجبهة وأشار بيده إلى أنفه، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين ” متفق عليه.

سابعاً: الاعتدال من السجود (أي الرفع منه ):

ويدخل في ذلك الجلوس بين السجدتين وبعضهم يجعلها ركنين فيكون ركناً ثامناً، فلا يمكن الجلوس بين السجدتين إلا بالرفع من السجود.

فالمذهب وهو القول الراجح والله أعلم: وجوب الاعتدال من السجود والجلوس بين السجدتين.

ويدل على ذلك:

1- حديث أبي هريرة في المسئ في صلاته وفيه:” ثم ارفع..يعني من السجود حتى تطمئن جالساً ” متفق عليه، فهذا يدل على أنه لابد من الجلوس.

2- حديث عائشة: ” كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي قاعداً ” رواه مسلم.

تاسعاً: الطمأنينة في كل الأركان:

وهذا قول المذهب وبه قال جمهور العلماء أن الطمأنينة في الأركان الفعلية فرض.

ويدل على ذلك:

1- الأدلة السابقة في ركن الاعتدال من الركوع حديث أبي مسعود وحديث أبي قتادة.

2- حديث أبي هريرة لما علَّم النبي صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته كان يقول له في كل ركن (حتى تطمئن) متفق عليه.

3- حديث حذيفة: ” أنه رأى رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته دعاه، فقال له حذيفة: ما صليت ولومت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمداً صلى الله عليه وسلم ” رواه البخاري.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 22 /569: ” وأيضاً فإن الركوع والسجود في لغة العرب لا يكون إلا إذا سكن حين انحنائه، وحين وضع وجهه على الأرض، فأما مجرد الخفض والرفع عنه فلا يسمى ركوعاً ولا سجوداً، ومن سماه ركوعاً وسجوداً فقد غلط على العربية ”

• ولكن متى يسمى المصلي مطمئناً في صلاته أو ما هو حد الاطمئنان؟

المذهب: أن الطمأنينة هي السكون وأن قلَّ حتى لو لم يتمكن من قول الذكر الواجب.

والقول الراجح والله أعلم: أن الطمأنينة هي السكون بقدر الذكر الواجب وقوَّاه المجد ورجحه ابن عثيمين.

والفرق بين القولين: أنه قد يسكن المصلي في أي ركن من الأركان ولكن سكونه دون مقدار الذكر الواجب، فمثلاً قد يسجد المصلي ويسكن قليلاً بمقدار (سبحان ربي) فقط، ويرفع فعلى قول المذهب يكون سجوده صحيح ولكن عليه أن يسجد للسهو لتركه التسبيح وهو واجب، وعلى القول الراجح أنه لم يأت بركن الطمأنينة لأن أقل مقدار في الطمأنينة هو بقدر الذكر الواجب فصلاته لا تصح.

والتعليل: أن الصلاة ليست حركات مجرَّدة فقط وإنما هي عبادة ذات أقوال وأفعال فينبغي إعطاء كل ركن حقه من الذكر ولا يمكن ذلك إلا بتقدير الوقت الكافي له.

عاشراً: التشهد الأخير:

والقول بأنه ركن هو قول المذهب وهو القول الراجح والله أعلم.

ويدل على ذلك:

1- حديث ابن مسعود قال: ” كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله من عباده، السلام على جبرائيل وميكائيل…” رواه الدارقطني والبيهقي وصححاه.

فقوله (قبل أن يفرض) يدل على أن الأصل في التشهدين أنهما من أركان الصلاة لكن التشهد الأول لما تركه النبي صلى الله عليه وسلم سهواً ثم جبره بسجود السهو كما سيأتي عُلم من ذلك أنه من الواجبات ويبقى التشهد الأخير على فرضيته.

2- حديث ابن مسعود ا مرفوعاً: ” إذا قعد أحدكم في صلاته فليقل: التحيات لله… ” متفق عليه.

الحادي عشر: الجلوس للتشهد الأخير:

وبعضهم يجعل التشهد الأخير مع جلسته ركناً واحداً، فالجلوس للتشهد ركن إذ أنه لو قرأ المصلي التشهد الأخير قائماً فإن هذا لا يجزئه، لأنه ترك ركناً وهو الجلسة فلا بد أن يجلس، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم أثناء التشهد فإنه كان يقوله جالساً وقد قال صلى الله عليه وسلم: ” صلوا كما رأيتموني أصلي ” رواه البخاري، ويدل عليه أيضاً حديث ابن مسعود السابق مرفوعاً: ” إذا قعد أحدكم في صلاته فليقل: التحيات لله… ” متفق عليه.

الثاني عشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير:

المذهب: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ركن من أركان الصلاة.

والقول الراجح والله أعلم: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير سنة وليس بواجب ولا ركن وهو رواية عن الإمام أحمد، فإذا تعمد الإنسان تركه فصلاته صحيحة.

ويدل على ذلك: عدم الدليل على الوجوب إذ أن الوارد حديث ابن مسعود وفيه: ” أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟… ثم قال: قولوا: اللهم صل على محمد…. ” رواه مسلم إذا أن هذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم وعلَّمهم كيف تكون الصلاة ولم يأمرهم ابتداءً، فالمقام مقام إرشاد وتعليم وليس المقصود منه إيجاب ذلك، والأصل براءة الذمة.

قال الشوكاني في نيل الأوطار 2 /286: ” ويمكن الاعتذار عن القول بالوجوب بأن الأوامر المذكورة في الأحاديث تعليم كيفيته، وهي لا تفيد الوجوب… فإنه لا يشك من قال لغيره: إذا أعطيتك درهماً فكيف أعطيك إياه، سراً أم جهراً؟ فقال: أعطنيه سراً. كان ذلك أمراً بالكيفية لا أمراً بالعطاء….. والحاصل أنه لم يثبت عندي من الأدلة ما يدل على مطلوب القائلين بالوجوب ”

ورجح هذا القول ابن عثيمين في الممتع 3 /312 وقال بعد حديث أبي مسعود السابق: ” وهذا القول ارجح الأقوال إن لم يكن سوى هذا الدليل الذي استدل به الفقهاء رحمهم الله ”

وأيضاً استدل من قال بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة أنها لم تذكر في حديث أبي هريرة مرفوعاً: ” إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليعوذ بالله: من عذاب جهنم…..” رواه مسلم.

الثالث عشر: الترتيب:

فالترتيب بين أركان الصلاة: قيام، ثم ركوع، ثم رفع منه، ثم سجود، ثم قعود ثم سجود ركن من أركان الصلاة.

1- قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ﴾ [الحج: 77] فبدأ بالركوع ثم السجود.

ويدل على ذلك:

2- حديث أبي هريرة في المسيء صلاته حيث علمه النبي صلى الله عليه وسلم الأركان مرتبة بـ( ثم) والحديث متفق عليه.

3- مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الترتيب وقد قال: ” صلوا كما رأيتموني أصلي ” رواه البخاري.

قال ابن هبيرة في الإفصاح 1 /138: ” واتفقوا على وجوب ترتيب أفعال الصلاة ”

الرابع عشر: التسليم:

وهو قول: السلام عليكم ورحمة الله ” عن يمينه وعن يساره ” السلام عليكم ورحمة الله ”

المذهب: أن التسليمتين فرض.

واستدلوا:

1- حديث جابر بن سمرة مرفوعاً: ” إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه يسلم على أخيه من على يمينه وشماله ” رواه مسلم. وقوله (إنما يكفي) دل على أن ما دونه لا يكفي.

2- مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على التسليمتين سفراً وحضراً، وقد قال: ” صلوا كما رأيتموني أصلي ” رواه البخاري.

والقول الثاني: أن الفرض تسليمة واحدة، وأن الأخرى سنة.

واستدلوا:

1- حديث عائشة قالت: ” كان رسول الله إذا أوتر بتسع ركعات لم يقعد إلا في الثامنة… وفيه ثم يسلم تسليمة… رواه أحمد والنسائي، وصححه الحاكم ولأحمد ” ثم يسلم تسليمة واحدة يرفع بها صوته ”

2- حديث ابن عمر قال: ” كان رسول الله يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها ” رواه أحمد.

والأحوط أن يسلم تسليمتين.

مستلة من الفقه الواضح في المذهب والقول الراجح على متن زاد المستقنع (كتاب الصلاة)

شاركها

اترك تعليقاً